من طهران إلى الخرطوم.. نساء أصبحن أيقونات للثورات
في تلك الصورة، تظهر سيدة ترتدي ثوبا أبيض، وفي أذنيها أقراط ذهبية أسطوانية وتقف أعلى سيارة
من إيران إلى العاصمة السودانية الخرطوم، كانت الصورة هي البطل في حكاية أشخاص وقفوا لنصرة بلادهم في مظاهرات متفرقة امتدت عبر القارات، لكن المميز في تلك الشخصيات أنها كانت لنساء أصبحن رموزًا وأيقونات جعلن أصواتهن مسموعة في شتى أنحاء العالم.
أحدث تلك "الأيقونات"، هي صورة السيدة السودانية التي التقطت خلال المظاهرات ضد الرئيس عمر البشير، التي تجرى بشكل متقطع منذ ديسمبر/كانون الأول ووصلت إلى منحى جديد.
في تلك الصورة، تظهر سيدة ترتدي ثوبا أبيض وفي أذنيها أقراط ذهبية أسطوانية وتقف أعلى سيارة وأصابع إحدى يديها موجهة نحو السماء، وسط كثير من الأشخاص الذين يحملون هواتفهم لتسجيل اللحظة.
صاحبة الصورة الأيقونة تدعى آلاء صلاح (22 عامًا)، طالبة، ووصفها البعض بـ"تمثال الحرية" السوداني، فيما دعاها البعض "السيدة في الثوب الأبيض"، وسواء بهذا التوصيف أو ذاك، كان للصورة أصداء تخطت مكان التقاطها، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وقالت سيدة تدعى هند مكي، معلمة سودانية أمريكية في شيكاغو شاركت الصورة على جميع الصفحات الخاصة بها: "متأكدة أنها ستصبح صورة الثورة"، مشيرة إلى أن جزءا من قوة الصورة تأتي من الرمزية الكامنة في اللقطة.
الصورة أوضحت الأقراط التي كانت ترتديها آلاء صلاح، وهي حلي زفاف تقليدية لترمز للأنوثة، واختيار الثوب الأبيض، الذي لم يعد شائعًا بين الشباب السوداني، عكس رابطًا بالأمهات والجدات اللاتي ارتدين ثيابا مشابها خلال ثورات أخرى ضد الديكتاتوريات العسكرية السابقة.
كما كان الثوب الأبيض هو اللون الذي اعتمدته الطالبات الإناث خلال اعتصامهن بجامعة الأحفاد للبنات في السودان، الذي بدأ في مارس/آذار، وهو ما ألهم أخريات لارتداء أثواب مشابهة.
ومنذ حينها، أصبحت تدعى السيدات اللاتي ترتدين الأبيض "كنداكة"، في إشارة إلى قدامى الملكات النوبيات، مما يربط قوتهن بقوة النساء اللاتي تساعدن الآن في قيادة الاحتجاجات.
ورغم استثنائية الاستجابة على اللقطة، فهو أيضًا خطر، فيوم الأربعاء، وبعد تحديد هويتها، كتبت صلاح عبر "تويتر" تقول إنها تلقت تهديدات بالقتل، لكنها أكدت أن صوتها لن يقمع.
صورة آلاء صلاح تنضم إلى سلسلة من الصور أصبحت هي المعنى للحظات التاريخية التي تمثلها، ومن بينها أيضًا "السيدة في الفستان الأحمر"، التي تدير بوجهها بعيدًا مع إطلاق الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين عام 2013.
وقد أصبحت هي رمز الاحتجاجات العنيفة في تركيا، بفستانها الأحمر الصيفي وقلادتها البسيطة، سارت السيدة بين المتظاهرين في ميدان تقسيم بإسطنبول، عندما قام ضابط أمن برش رذاذ الفلفل عل وجهها لدرجة أن من قوة تدافعه، تطاير شعرها لأعلى في الهواء.
لكن السيدة التركية "سيدا سنغور" لم تفعل شيئًا سوى محاولة الابتعاد عن البخاخ السام، غير أن الضابط المقنع بقناع الغاز، اندفع نحوها ليرش مزيدًا من البخاخ على عنقها.
صورة الحادث انتشرت على نطاق واسع عبر الشبكات الاجتماعية، وتصدرت عناوين الأخبار بصفتها" أيقونة" الحركة ضد حكومة رئيس الوزراء رجب أردوغان، حينها.
وقالت سنغور لشبكة "سي إن إن" الأمريكية في 5 يونيو/حزيران عام 2013، إن ما يحدث في تركيا هو "ثورة الشعب"، كما أخبرت تلفزيون "تي في 24" التركي أنها لا تشعر بارتياح لشهرتها الجديدة، وأنها كانت موجودة مع أناس آخرين تعرضوا أيضًا لرذاذ القنابل المسيلة للدموع ولا فرق بينهم.
ولن ننسى أيضًا صورة الشابة الإيرانية فيدا موحدي (31 عاما) التي تحولت إلى أيقونة بوسائل إعلام عالمية بعد وقوفها بمفردها أعلى منصة في شارع انقلاب (الثورة) وسط طهران، لكي تندد بسياسات نظام ولاية الفقيه العدائية، وقمع السلطات الأمنية للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت قرابة 100 مدينة كبرى في عموم بلادها، أواخر ديسمبر/كانون الأول حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2018.
سلطات طهران اعتقلت "موحدي" حينها لعدة أسابيع قبل أن يفرج عنها لاحقا، ثم اختفت تماما عن الأنظار، إلى حد مطالبات من حقوقيين ونشطاء إيرانيين في الداخل والخارج عبر منصات التواصل الاجتماعي بالبحث عن مصيرها.
ولا يتوافر الكثير من المعلومات عن فيدا موحدي سوى أنها أم لطفلة تبلغ من العمر 19 شهرا، فضلا عن اعتلائها منصة بطهران بالتزامن مع التظاهرات لتلوح بوشاحها المعلق على عصا خشبية قبل أن تنقض عليها عناصر أمنية لاعتقالها.
وتحول المشهد بأسره إلى حافز لخروج نساء إيرانيات أخريات للاعتراض في الشوارع ضد نظام المرشد الإيراني علي خامنئي، بل وقيادة إضرابات واعتصامات عمالية في أنحاء متفرقة من البلاد.
وظلت واقعة فتاة "شارع انقلاب" حديثا متواصلا لعدة أشهر بين الإيرانيين عبر منصات الفضاء الافتراضي من خلال هاشتاق لافت بعنوان "دختر خیابان انقلاب کجاست؟" أو "أين فتاة شارع انقلاب؟"، باعتبارها وجها نسويا معارضا للنظام الثيوقراطي القابع على حكم إيران منذ عام 1979.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أصدرت منظمة العفو الدولية التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها بيانا تطالب فيها السلطات الإيرانية بالكشف عن مصير فيدا موحدي المجهول بعد اعتقالها خاصة في ظل تساؤلات الإيرانيين التي وصلت إلى مسامع وسائل إعلام عالمية.
وتضامنت ناشطات ومعارضات إيرانيات في المهجر أبرزهن شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 مع فيدا موحدي، حيث أكدت ضرورة التوقف فوريا عن القمع الأمني ضد النساء ببلادها إلى جانب الاعتقالات التعسفية ضد الناشطات والمدافعات منهن عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي في البلاد.
aXA6IDE4LjExOS4xMDguMjMzIA== جزيرة ام اند امز