الحتمية التاريخية تؤكد أن نضوب الفكرة في أيديولوجيا ولاية الفقيه تسير في اتجاهها المتوقع
الإيرانيون بتظاهراتهم التي تجتاح إيران بأكملها يتجهون بطريقة تاريخية لكسر حتمية «ولاية الفقية»، فلم تعد ولاية الفقية كما تقدر لنفسها تملك القدرة على إدخال كل الإيرانيين في نعيمها الموعود.
دائماً وأبداً يجب على كل المستفيدين من تغيير السلوك الإيراني، سواءً في المنطقة العربية أم الغرب، عدم استعجال النتائج أمام تلك التطورات في الداخل الإيراني، فما ستؤديه هذه التظاهرات لا يتطلب نتائج سريعة لأنه سوف يؤدي إلى نضوب الفكرة المؤدلجة وتفكيك تدريجي يقوم به النظام بنفسه ولنفسه، فما سوف يحدث على المستوى القريب هو محاولة التقلب بين المسارات السياسية بدعوى الإصلاح من أجل المساهمة في وقوف النظام على قدميه قدر الإمكان، بغض النظر عن حجم العنف الذي يمكن أن يُستخدم بحق المتظاهرين.
هذه التظاهرات تدل على أنه أصبح من الصعب على ولاية الفقيه أن تملأ الفراغ الأيديولوجي للشعب الإيراني بفكرة هي في حقيقتها تتناقض مع الواقع.
الإيرانيون بتظاهراتهم التي تجتاح إيران بأكملها يتجهون بطريقة تاريخية لكسر حتمية "ولاية الفقية" فلم تعد ولاية الفقيه كما تقدر لنفسها تملك القدرة على إدخال كل الإيرانيين في نعيمها الموعود، فالزمن والتطورات جعل النخبة القريبة من ولاية الفقيه تتمتع بهذه النعم دون غيرها، هذا الإقصاء يشرح بدقة فكرة الاغتصاب التي تعرض لها الشعب الإيراني على يد ولاية الفقيه، فكانت النتائج الحتمية أن تتطور المسارات المضادة والعكسية بشكل تدريجي.
هذه النخبوية سمحت بإنتاج أدوات سوف تساهم حتمياً في نضوب لكل نظام سياسي يحاول تجاوز الحدود التاريخية لاستقرار الشعوب، فما يحفز الشعب الإيراني على الثورة بحسب اللغة التي تتداولها التظاهرات هي: البطالة، الغلاء، الفساد المالي، سوء الإدارة، ارتفاع معدلات التضخم، السخط على الحكومة وسياستها الداخلية والخارجية، ولكن المنتج الحقيقي لهذه النتائج الدافعة للتظاهر يتخفى فعلياً في وسط راديكالية تتحكم بها فكرة الولاية نيابة عن الفقيه الغائب من أجل السيطرة الدينية على المجتمع.
هذه التظاهرات وشعاراتها تختفي خلفها قواعد اللعبة السياسية وتحدياتها الحقيقية التي حاول نظام الملالي إخفاءها طويلاً كي يتمكن من الانتقال إلى مرحلة ولاية الفقيه بشكل سلطوي، حيث يتشكّل المكوّن السياسي من عدة مسارات أهمها تخطيط أولويات أيديولوجية تقوم على اعتماد التحكم عبر فكرة الإمام الغائب، وإقناع الشعب الإيراني بأن هذا النهج يمكنه فرض مسار أيديولجي يستطيع التحكم بالمسار الشعبي.
ولعل السؤال المهم هنا حول تمكن منهج ولاية الفقية من فهم حقيقي للطباع البشرية للشعب الإيراني خلال الأربعة عقود الماضية، وهي عمر ولاية الفقيه ومدى نجاح الفعل السياسي الذي تم طرحه عبر فكرة ولاية الفقية، في الواقع إن الاستناد إلى معرفة واقعية عن طبيعة الشعب الإيراني ما زالت منعطفاً مهماً لفهم ما يجري في الداخل الإيراني الذي يتشكل في معظمه من أقليات مؤثرة تطال حتى المرشد الأعلى الذي ينتمي إلى عرق "أذربيجاني"، وكما أشار أحد الباحثين إلى أن الأقليات العرقية تشكل حوالي نصف إجمالي عدد سكان إيران، والمقدر باثنين وثمانين مليون نسمة حيث يشكل الأذربيجانيون حوالي أربعة وعشرين مليوناً، ثم الأكراد بثمانية ملايين، يليهم بقية القوميات بأعداد لاتتجاوز الثلاثة ملايين لكل أقلية ومن بينهم العرب.
تاريخياً النهج السياسي الذي ينحصر في مشروع ديني كما في نهج ولاية الفقيه؛ فإنه غالباً ما يسعى إلى العمل على تسهيل عمليات التخطيط التي يقوم بها رجال الدين في طهران من أجل التحكم بتطلعات الشعب الإيراني وتحقيق أهداف تاريخية غير قابلة للتطبيق، هذه التظاهرات تدل على أنه أصبح من الصعب على ولاية الفقيه أن تملأ الفراغ الأيديولوجي للشعب الإيراني بفكرة هي في حقيقتها تتناقض مع الواقع.
الحتمية التاريخية تؤكد أن نضوب الفكرة في أيديولوجيا ولاية الفقيه تسير في اتجاهها المتوقع ويبدو واضحاً أن إيران الراديكالية عمرت أكثر مما هو متوقع، فأحداث المنطقة العربية المحيطة بإيران خلال العقود الماضية ساهمت في تأجيل تفكيك فكرة ولاية الفقيه، فمعظم الأحداث العربية قدمت خدمات مباشرة وغير مباشرة لفكرة ولاية الفقيه انطلاقاً من الحرب الإيرانية العراقية، ومن ثم الغزو السوفيتي لأفغانستان وظهور تيارات الإسلام السياسي وحرب الخليج الثانية، وأحداث سبتمر ثم أخيراً الثورت العربية، كل هذا التاريخ ساهم بدرجة مهمة في تأجيل فكرة النضوب للأيديولوجيا الإيرانية.
النظام في إيران لديه رغبة فائقة اليوم من خلال محاولاته الجادة لإجهاض الزمن الثوري ضد ممارساته وسلوكه، بل يحاول هذ النظام اغتصاب الفكرة التاريخية التي تمنح التسهيلات للشعب الإيراني لتعديل مساره الوطني، في الواقع الحقيقي نحن لسنا أمام عملية سقوط مكتملة سياسياً ولكن النظام الإيراني أمام عملية سقوط تدريجية لن تمنحه أكثر من خمس سنوات أخرى لكي يقاوم عبر البطش والتسلط، لأن ولاية الفقيه تعلم أن التاريخ قد رسم خطة التنبؤ حول مصيرها الذي يحاول المرشد وأعوانه التضليل بشأنها.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة