علينا كمسلمين روس أن نكون واعين بأن قضية إعادة المحاربين أو ذويهم إلى روسيا قضية حساسة جدا وتمس سمعة الإسلام والمسلمين
التشريع الروسي شديد جدا على أولئك الذين يشاركون في أي عمل من أعمال الجماعات المسلحة غير المشروعة، حيث ينص القانون الجنائي رقم (200) لروسيا الاتحادية على أن "المشاركة في أي جماعة مسلحة غير مشروعة والمشاركة في أراضي بلد أجنبي في جماعة مسلحة غير مشروعة في مساحة هذا البلد بأهداف مخالفة لروسيا تعاقب بالسجن لمدة من ثماني سنوات إلى خمس عشرة سنة".
أغلب البلاد الأوروبية لا تريد إعادة مواطنيها المحاربين في "داعش" إلى أوطانهم؛ لأنها لا تصدق توبتهم، حيث إن مشاركتهم في "ماكينة الموت" دمرت حالتهم النفسية، ولذلك فعملية تصديقهم أمر مستحيل، وهناك من يرى انعدام الأمل في إصلاحهم ولا يمكن تحييد خطرهم في أي وقت
ولا يُفْهَمُ من المشاركة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، اختيارية كانت أو إجبارية، بالأسلحة أو بدونها، بل إن هذا القانون فسّر أي مكوث بين المحاربين بأنه كالمشاركة التي تتطلب إتيان براءة الشخص.
إن أغلب البلاد الأوروبية لا تريد إعادة مواطنيها المحاربين في "داعش" إلى أوطانهم لأنها لا تصدق توبتهم، حيث إن مشاركتهم في "ماكينة الموت" دمرت حالتهم النفسية ولذلك فعملية تصديقهم أمر مستحيل، وهناك من يرى انعدام الأمل في إصلاحهم ولا يمكن تحييد خطرهم في أي وقت.
مؤخرا أعلن سفير روسيا في الولايات المتحدة أناطولي أنطونوف عن موقف روسيا في هذه القضية في شهر مارس سنة 2019 قائلا: "قضية مواطني روسيا الذين التحقوا بداعش تحكم خارج روسيا في محاكم سوريا والعراق".
يمكن لنا أن نرى في تصريح السفير ردًّا روسيًّا على دعوة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي دعا رؤساء الدول الأوروبية بإعادة أكثر من 800 من أسرى الإرهابيين وبالحكم عليهم. وفي تصريح آخر لأنطونوف قال: "هذا يوضح لنا أنْ لا أحد يريد أن يرى هؤلاء الناس في بلاده، كذلك روسيا الاتحادية، نحن نريد حكم هذه القضية خارج بلدنا".
لا يخفى على أحد أن اهتمام وقلق روسيا من أن البلاد الآسيوية المجاورة لها تعد دولا شريكة لروسيا ربما قد تسمح للمحاربين المنتمين لهذه الدول بالعودة إلى أوطانهم، وهذا يعد تهديدا مباشرا لروسيا حيث يجعل مسألة دخولهم إلى روسيا أمرا سهلا بكثير.
وأما الرأي الجماعي في مجتمع روسيا بالنسبة للمحاربين فهو دون شك سلبي، وهو يتوافق مع رأي الحكومة، وأصعب شيء في هذه القضية هو وضع أهالي المحاربين من زوجاتهم وأبنائهم، فحسب المعلومات الأخيرة فإنه قد خرج من روسيا إلى أراضي "داعش" أكثر من ألف امرأة وطفل من زوجات وأبناء المحاربين ليكونوا بالقرب من والدهم المنتمي لـ"داعش".
وفي بداية عام 2018 طالب عضو مجلس الشيوخ لجمهورية الشيشان زياد صابصابي باستعادة أبناء المحاربين والأرامل اللاتي قتل أزواجهن مع "داعش" في سوريا والعراق، وبالفعل عاد الكثير منهم ولكن في جمهورية داغستان تم القبض عليهم فور عودتهم وحكم عليهم بالسجن حسب القانون الجنائي 208 لروسيا. وبعد ذلك توقفت عملية إعادة أقارب وأهالي المحاربين، وصار واضحا للجميع أن روسيا تفتقر للبرامج والمناهج والمتخصصين القادرين على التعامل مع المحاربين العائدين للوطن.
رئيس جهاز الأمن الروسي أليكساندر بورتنيكوف صرّح من قبل حول عملية رجوع زوجات وأولاد المحاربين من مناطق النزاع المسلح وبينهن أولاد صغار بقوله: "ليس سرا أن المحاربين يستعملون هؤلاء النساء والأولاد في تجنيدهم بصفوف المقاتلين أو كانتحاريين ينفذون عمليات تفجير إرهابي".
في المقابل، دعت الناشطة الرسمية لحقوق الإنسان من جمهورية الشيشان هدى صاراتوفا إلى التعامل برحمة مع ما أسمتهن "النساء الضالات والأطفال الأبرياء الصغار"، ودعت إلى التعامل معهم بالرحمة والعفو، لكنها في المقابل لم تقترح أي ميكانيكا ثابتة وواضحة لتهيئة هؤلاء المرحّلات، ويبدو أن العودة إلى الأقارب أمر مناسب لحل هذه المشكلة ولكن الخوف أن هناك من الأقارب من يمكن أن تجد منهم من بتوافق بأفكاره مع فكر المقاتلين و"داعش"، وأكثر من ذلك، فإن أغلب الأبناء العائدين مع أمهاتهم يتامى، ولكن جزءا منهم لا يزال آباؤهم على قيد الحياة ويحاربون مع "داعش" وبالتالي من الممكن لهم أن يتصلوا بأبنائهم بالهاتف أو الإنترنت ويجندوهم عن بعد بتأثير من الأب على ابنه، خاصة أن هناك الكثير من الأفكار الراديكالية في منطقة القوقاز التي ما زالت ترى في اليتامى أنهم أبناء شهداء.
ولعل هذا السبب الذي دفع بالوكيلة الحكومية لحقوق الأطفال أَنَّا قُزْنِتْسُفَا إلى التصريح في بادئ الأمر بأنها ضد عملية إعادة زوجات وأولاد المحاربين، لكنها وبعد ضغوط من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في القوقاز تراجعت عن تصريحاتها.
وأعيدت 70 أرملة مع أبنائهن إلى أقاربهم في القوقاز، ولله الحمد أنه حتى الآن لم تحدث هناك أي حادثة، ولكن مع ذلك كله فإن الحل الأمثل لهذه القضية فنحن في روسيا بحاجة ملحة إلى برامج خاصة لتأهيل العائدين وأقاربهم من جديد في المجتمع الروسي.
في النهاية، علينا كمسلمين روس أن نكون واعين بأن قضية إعادة المحاربين أو ذويهم إلى روسيا قضية حساسة جدا وتمس سمعة الإسلام والمسلمين في كافة جمهوريات روسيا الاتحادية، فالانتماء السابق لـ"داعش" من الممكن أن يتسبب في زيادة الآراء والمواقف السيئة ضد الإسلام و المسلمين في طبقات مختلفة من المجتمع الروسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة