بالصور.. "المسرح الصحراوي" بالشارقة.. مسامرة فكرية تحت زخات المطر
مسامرة فكرية بعنوان "مضامين المسرح الصحراوي وأساليبه: بين الكائن والممكن" ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بنسخته الثالثة
لم يقف المطر والرياح التي هبت على منطقة "الكهيف" في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تحتضن فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في نسخته الثالثة، عائقا أمام استمرار المتحدثين في المسامرة الفكرية بعنوان (مضامين المسرح الصحراوي وأساليبه: بين الكائن والممكن).
وانصرف المتحدثون إلى تطوير أطروحات حول مستقبل المسرح العربي، والارتقاء بفكرة المسرح الصحراوي إلى آفاق جديدة، واضعين السؤال: مسرح في الصحراء أم مسرح صحراوي؟ ليشتعل الحوار الفكري الجاد فيما كان الحماس هو سيد الموقف، حيث تبارى مبتدرو النقاش وهم الرائد المسرحي المغربي عبد الكريم بالرشيد، والممثل الكويتي ناصر كرماني، والناقد المصري أحمد خميس، والكاتب والمخرج المسرحي عبيدو باشا، في تقديم رؤى صيغت بصورة علمية استهدفت تطور العروض المسرحية، مشيدين بتجربة المهرجان، ومثمنين دور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعم المسرح ورفده بالأفكار الجديدة.
وتشهد الشارقة فعاليات مهرجان المسرح الصحرواي بنسخته الثالثة، والذي تشارك فيه عروض من 4 دول هي: الإمارات، والمغرب، وعمان٬ ومورتانيا، ويشكل المهرجان حلقة جديدة في منظومة الأنشطة التي تنظمها دائرة الثقافة، ترجمةً لرؤى القاسمي، والهادفة إلى تعزيز مكانة فن المسرح وترسيخ تداخلاته مع الناس والمجتمع، في كل زمان ومكان، ويسعى المهرجان إلى استكشاف واستظهار الصلات الكائنة والممكنة بين أشكال التعبير الأدائي والسردي التي تعمر الصحراء وفن المسرح.
وفي مستهل المسامرة الفكرية، تناول المخرج والناقد المسرحي عبيدو باشا تجربة مهرجان المسرح الصحراوي، معتبرا إياه بالحالة الطليعية التي يجب أن ترى النور، مشيرا إلى أن وجود 4 عروض فقط، يعتبر عددا قليلاً على هذا المهرجان الكبير الذي من الممكن أن يستوعب في فكرته الكثير من العروض، منبها إلى أن المهرجان حالة فريدة في العالم العربي تعتبر نوعا من الإقلاع يستدعي خيالات جديدة ومفارقة ومختلفة، فالمسرح الصحراوي لا يتطلب التوقيعات الجاهزة، فهو صرح جديد يترتب عليه متطلبات جديدة، مشيرا إلى أنه بمثابة انتفاضة جديدة ستورط الكثيرين بالمسرح.
وحذر باشا من أن المصنع الصحراوي لا تصنعه الرؤية المسطحة، ولا حروب يخوضها ممثلون رديئون، مشبه إياه بالمسرح اليوناني، مؤكدا على ضرورة إطلاق النفس وتحرير الطاقات، واستخراج كل المخزون من أجل مسرح رائد ومبتكر، فهو انقلاب على التوازنات القاتلة وعبور فوق الهوية، منبها إلى أن المهرجان هو نساحة لقاء ستنداح لتصبح نهرا ينشد كمال المسرح.
ويلفت باشا إلى أن المهرجان يعتبر مقترحا عربيا بحتا يقدم للعالم، مشيرا إلى أن العرب لو ذهبوا إلى المسرح كفكرة لما وقعوا في التناقضات والعودة إلى الأشكال الغربية في طرائق العرض، مشددا على أن مهرجان المسرح الصحراوي يعتبر تغيراً في الذهنية المنتجة للفعل المسرحي، ويترتب عليه تغيير في التفكير وفي الذهنية واستخدام طبائع علمية في التعاطي مع فكرته، وأن ذلك يتطلب عملا جادة يستهدف توسيع التجربة بحيث تشمل أشكالا جديدة وفتوحات مختلفة في العرض المسرحي وأساليبه.
ويبدو أن أفكار عبيدو باشا قد فتحت شهية بقية المشاركين، الذين قدحوا زناد أفكارهم ليخرجوا من كنانتهم رؤى أكثر ترتيبا، وفي السياق طرح الكويتي ناصر كرماني سؤال هل هو مسرح في الصحراء أم مسرحٌ صحراوي؟ ليغوص بعدها في الدلالات التي يقود إليها المفهومان، مستعينا ببعض القراءات في الأفكار المسرحية العالمية، مشيرا إلى أن مسرحة المكان تعني إيجاد مكان ذي خصوصية للعرض المسرحي، فالمكان هو الفضاء الذي يشكله المخرج، أو الفضاء الدرامي الذي يحمله المشاهد في ذهنه، بينما "المسرحة" تشير إلى المكان الذي يمكن إعداده كمسرح، مشيرا إلى أماكن كثيرة في العالم العربي يمكن تسميتها بالمكان الحدث مثل: الصحراء، الأماكن العامة، ساحات المناسبات، والاحتفالات الطقسية، مؤكدا على ضرورة أن تتضمن العروض على ما يحفز على الفرجة مثل الرقصات الشعبية والفلكلورية والفنون التعبيرية، وغيرها من الأشياء التي تجعل الجمهور متفاعلا مع العرض.
وفي ذات الفكرة تناول الناقد المصري أحمد خميس، قضية عزوف الجماهير عن الذهاب إلى المسرح، مشيرا إلى أن جمهور المسرح يتضاءل يوما بعد يوم، ولا بد من أفكار جديدة تجذب الجمهور، مشيدا بفكرة مهرجان المسرح الصحراوي الذي يعتبر واحدا من الحلول الكبيرة التي تقدم تجاه قضية جمهور المسرح، مشددا على ضرورة الاهتمام بالمسرح في الأماكن المفتوحة لأن المسرح يذهب إلى الناس، ويطرح قضاياهم، متناولا التجارب المصرية في مسرح الأماكن المفتوحة والذي نجح في جذب جمهور كبير جدا إلى المسرح، حيث إن مسرح الأماكن المفتوحة في المنتديات والشوارع قد كسر الحاجز بين الجمهور والمسرح.
وتحدث الرائد المسرحي عبد الكريم بالرشيد أن العرب قد اهتموا بعبقرية المكان، وأن الصحراء ليست مكانا بريئاً ومحايداً، بل هي كائن حي يؤثر ويتأثر وله فكر، فهي ليست فراغا عريضا، بل دنيا من الحيوات، مؤكدا أن المسرح الصحراوي يمثل إضافة جديدة للحركة المسرحية العالمية، ولابد من التأسيس له جيدا، مشيرا إلى اهتمامه الشخصي بمسألة التأصيل، فقد اشتغل على عدد من البحوث التي تنشد التأصيل مثل: "نحو تأصيل المسرح العربي"، و"تعريب المسرح العربي"، وموضوعا حمل عنوان "المسرح العربي يبحث عن المسرح العربي"، معتبراً أن مهرجان المسرح الصحراوي هو نقطة انطلاق جيدة نحو التأصيل.
فيما تحدث عدد من الحضور المشاركين عن أهمية المسرح الصحراوي وضرورة تطوير الفكرة ونقلها إلى آفاق أوسع عبر جذب فرق عالمية، فالصحراء ليست بيئة عربية فقط، مشيرين إلى عدد من الدول التي تضم مجتمعات صحراوية.