"يوميات كامل الشناوي".. كتاب يكشف الحياة الأسطورية لشاعر "لا تكذبي"
اليوميات تكشف قدرات كامل الشناوي الكبيرة في النفاذ إلى شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تشكل النخبة المصرية
تكشف يوميات الشاعر المصري كامل الشناوي، التي نشرتها دار الكرمة مؤخراً، الحياة الأسطورية التي عاشها الصحفي والشاعر المصري الشهير، كما تكشف روابطه القوية مع أعلام عصره من السياسيين والأدباء.
وكامل الشناوي صحفي مصري راحل (1908-1965)، ولد في 7 ديسمبر/كانون الأول 1908 في "نوسا البحر" مركز أجا بمحافظة الدقهلية.
عمل بالصحافة مع العمالقة؛ بداية من الدكتور طه حسين في "جريدة الوادي"عام 1930، ومروراً بمحمد التابعي، والأخوين علي ومصطفى أمين، وإحسان عبدالقدوس، ومحمد حسنين هيكل.
وعُرف "الشناوي" بدوره في رعاية المواهب الشابة، وعباراته الرومانسية، وقصائده التي تغنت بها أصوات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ونجاة وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، ومنها "لا تكذبي"، و"عش أنت"، و"لا وعينيك" و"على باب مصر"، و"حبيبها".
ورغم ذلك، لم يجمع "الشناوي" شعره في ديوان، إلا في العام الأخير من حياته، وتوالت بعد وفاته نشر كتاباته، ومنها كتاب "لقاء معهم"، الذي تعاقد على نشره قبل وفاته، وكذلك مؤلفات: "ساعات"، و"بين الحياة والموت"، و"زعماء وفنانون وأدباء"، وكلها لم تطبع في حياته.
ومحررة الكتاب رحاب خالد، وهي صحفية وسبق لدار الكرمة أن نشرت لها كتاباً عن المطربة نجاة الصغيرة، التي ترددت مزاعم كثيرة عن علاقة حب جمعتها مع "الشناوي"، بزعم أنها كانت ملهمته في قصيدة "لا تكذبي".
ويبدأ الكتاب الذي صدر في 560 صفحة من القطع الكبير، بمقدمة من المحررة التي بذلت جهداً فائقاً في جمع مادة الكتاب، تستعرض فيها سيرته الذاتية التي اعتمدت فيها على ما دوّنه "الشناوي" عن حياته، في يومياته.
ولد "الشناوي" عقب وفاة الزعيم الوطني مصطفى كامل، فسماه والده "مصطفى كامل" تيمناً بوطنية الزعيم الراحل وكفاحه، وقد تدرج والده الشيخ سيد الشناوي بالقضاء الشرعي، حتى أصبح رئيساً للمحكمة الشرعية، وكان ذلك أعلى وأرفع منصب قضائي في مصر في ذلك العصر، كما كان عمه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي، شيخ الأزهر الشريف.
وعاش الشاعر الراحل طفولته في عزلة، بسبب سمنته المفرطة، التي كانت تدفع بقية الأطفال للتنمر عليه والسخرية منه، إلا أنه سرعان ما استطاع التغلب على هذه العزلة، بفضل روحه المرحة الساخرة، إلى جانب قدراته الشعرية التي لفتت أنظار رفاقه من الطلاب.
ودخل كامل الشناوي الأزهر الشريف، ولم يستمر به أكثر من 5 سنوات، فعمد إلى المطالعة ومجالس الأدباء، ودرس الآداب العربية والأجنبية في عصورها المختلفة.
وبدأت رحلة "الشناوي" مع الصحافة عبر مراسلات صغيرة قدمها لـ"السياسة الأسبوعية"، قبل التعرف على رئيس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل، ثم راسل مجلة "الكشكول"، وشارك عام 1928 في تأسيس جمعية "الأدب والتمثيل"، مع الممثل زكي طليمات، وكان من بين الأعضاء الممثل محمود المليجي والصحفي الرائد حافظ محمود.
وكانت نقطة التحول في حياته، اللقاء مع أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي أعجب بقصيدة نشرتها له مجلة "البلاغ الأسبوعي"، وبفضلها اختاره ليقرأ أشعاره في المنتديات والصالونات الأدبية، لكن "الشناوي" انقطع عن ذلك حتى لا يختصر حياته في إلقاء شعر أمير الشعراء، بحسب محررة الكتاب.
وعمل الشاعر بعد ذلك بالصحافة، وقد بدأ مصححاً لغوياً في مجلة "كوكب الشرق"، ثم "الشبيبة"، كما عمل مع طه حسين في صحيفة "الوادي"، وعمل مع العقاد في "روز اليوسف".
وبعد إغلاق "روزاليوسف"؛ عمل بـ"الأهرام"، وتولى تحرير صفحة الأدب، ثم حرر باباً يومياً بعنوان "خواطر حرة"، صنع شهرته الصحفية قبل أن يتولى رئاسة تحرير "مجلة آخر ساعة" بترشيح الصحفي الشهير محمد التابعي.
كما شارك "الشناوي" في رئاسة تحرير الأخبار، ومع قيام ثورة يوليو/تموز تحمس لها "الشناوي" بل عُد من المبشرين بها، بسبب قصيدته "أنت في صمتك مرغم"، وعمل عضواً بمجلس تحرير جريدة "الجمهورية" التي أسستها ثورة يوليو/تموز، وظل بها حتى عام 1962، حيث انتقل لصحيفة الأخبار حتى وفاته، وكان يكتب فيها اليوميات التي تشكل الخلية الرئيسية لهذا الكتاب.
وطوال حياته الصحفية، غلب عليه الوجه الساخر، وطبيعة الشاعر الذي يفرط في كل شيء، السهر والإنفاق، وميزة هذا الكتاب أنه يقدم وجهاً جديداً يظهر انشغالاته الأخرى.
وتستعرض محررة الكتاب ظروف قيامها بجمع مواد الكتاب من أرشيفات مختلفة، أغلبها يعاني من سوء الحفظ والإهمال، وتشير إلى أنها جمعت اليوميات وفيها خواطره العاطفية من أرشيف مجلة آخر ساعة "1946-1948"، وهي تنشر لأول مرة في الكتاب.
وهناك يوميات أخرى ظهرت في كتب سابقة، وتصنع جدارية أو "بورتريه" تروي حياة "الشناوي" التي يصعب تلخيصها.
وتكشف اليوميات عن قدرات "الشناوي" في النفاذ إلى شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تشكل النخبة المصرية بين عصرها الملكي وبداية عهد الثورة.
وتختلط أسماء سياسيين وفنانين وصحفيين وقادة رأي في المقالات التي تكشف كذلك انحيازات "الشناوي" الاجتماعية، وعمق نظرته التقدمية في الأمور المتعلقة بالموقف من المرأة، أو دفاعه عن العدالة الاجتماعية، وإيمانه بالفن، ودوره في نهضة المجتمعات.
هذا فضلاً عن إيمانه بـ"الجمال" كمفهوم، بحيث لا يقتصر على الجمال الإنساني وحده، بل يتسع للعمران وكل أشكال الحياة، حيث توضح المقالات أشكال التراجع في العمران المصري بامتداد السنوات التي عاشها صاحبها الذي يكرر في اليوميات رفضه المطلق لفكرة "الزواج" وتمسكه بـ"الحب".
وتشير اليوميات كذلك إلى امتلاكه لغة رومانسية عذبة تفسر شعبيته الكبيرة كشاعر رومانسي، وتنفي نبرته التشاؤمية رغم كثرة حديثه عن الموت.