صعوبات المرحلة الانتقالية في السودان
إحدى النقاط المحورية التي يحتاج إليها السودان حاليا تتمثل في ضرورة وجود (دعم) رجل/مشروع جسر بين النظام القديم والجديد
البعض يتصور أن الجانب الرئيسي من صعوبة المرحلة الانتقالية هو التوافق بين القوى التي صنعت التغيير وشكل إدارتها القانوني والسياسي، والمؤكد أن هذا جانب مهم من صعوبة المرحلة الانتقالية ولكنه ليس الجانب الأساسي، فالمعضلة الحقيقية أو الصعوبة الأكبر تكمن في أن فشلها يعني في كثير من الأحيان إعادة إنتاج النظام القديم بصور أسوأ مما كان، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه التجربة السودانية كما واجه تجارب أخرى.
طول المرحلة الانتقالية مخاطرة كبيرة
توافق المجلس العسكري وإعلان قوى الحرية والتغيير على مرحلة انتقال مدتها 39 شهرا يقودها مجلس سيادي مكون من 11 شخصا 5 مدنيين و5 عسكريين، بالإضافة لرئيسه الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري السابق.
ونجحت قوى الحرية والتغيير في التوافق على أسماء الحكومة بعد اجتماع مطول استمر تقريبا يوما كاملا، وهي الحكومة التي يرأسها شخصية سودانية مرموقة ذات خبرات دولية واسعة، وهو عبدالله حمدوك.
إن طول المرحلة الانتقالية (أكثر من ثلاث سنوات) يشكل مخاطرة كبيرة لأنه سيخلق سلطة سائلة وقائمة على مواءمات تعطل من صدور قرارات جريئة يحتاج إليها السودان، خاصة في ظل تربص قوى في الداخل والخارج بالتجربة الوليدة.
ويكفي مبالغات قناة الجزيرة المستمرة لإظهار ضعف الحكومة وعجزها عن معاجلة آثار الفيضانات التي تعرضت لها بعض ولايات السودان، خاصة ولاية النيل الأبيض في جنوب البلاد، أو التركيز على الاشتباكات الدموية التي جرت بين قبيلتي بني عامر والنوبة، وخلفت عشرات القتلى في بورسودان في يوم تولي حمدوك رئاسة الحكومة لإظهار عجزه.
والحقيقة أن السلطة الانتقالية بحكم التعريف هي سلطة ضعيفة، لأنها من ناحية غير منتخبة، ومن ثم ليست مطلقة اليد بشكل كامل كسلطة تنفيذية وفق نظام التوازن والمحاسبة.
(Check and Balance) الذي يضمنه وجود سلطات ثلاثة مستقلة: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
يقينا وزارة اختير أعضاؤها من بين 200 مرشح ستثير حفيظة الجزء الذي لم يتم اختياره، وسنسمع عن "س" الذي باع الثورة لصالح المنصب، و"ص" الذي تحالف مع الجيش، هذا التربص وهذه المزايدات تجري حتى في النظم المستقرة والديمقراطية، ولكنها تتحول إلى عمل حزبي يحمل مسارات ومشاريع بديلة لمن في الحكم، أما في المرحلة الانتقالية الضعيفة والهشة بحكم التعريف فإنها تمثل خطرا على المسار الانتقالي بزيادة عدد المتربصين، خاصة إذا طالت مثلما الحال في التجربة السودانية.
والحقيقة أن 39 شهرا فترة انتقالية تقودها سلطة موزع مركز صنع القرار فيها على 11 عضوا في المجلس السيادي, سيعني وجود مخاطر حقيقية لانقسام وضعف في الأداء، كما سيفتح الباب إلى انصراف قطاع من جمهور الثورة عن الإيمان بها، خاصة إذا شعر أن مشاكله لم تحل وربما تفاقمت وسيبدأ في البحث عن الرجل القوي أو رجل النظام العام الذي سيعيد بناء البلاد ويحميها من الفوضى والانقسام، ويكون عادة من المؤسسة العسكرية.
عقب الثورات عادة ما ترتفع توقعات الناس إلى عنان السماء، وعادة ما تعجز أي سلطة انتقالية عن تلبيه الجانب الأكبر من هذه الطموحات، وهو ما يؤدي إلى انتكاسة بعودة نظام يكون في بعض الأحيان أكثر سوءا من النظام القديم الذي ثار عليه الشعب، أو يتم مواجهة ذلك بتقصير المرحلة الانتقالية، وتقوم النخب التي قادت الثورة أو الانتفاضة (قوى الحرية والتغيير في الحالة السودانية) بدور رئيسي في عدم رفع توقعات الناس من الثورة والعمل على إقناعهم بأن بناء نظام جديد مدني ديمقراطي هي ممارسة تكتسب مع الوقت وعملية تدريجية وليست قرارا ثوريا أو "بكبسة زر" (بالتعبير اللبناني).
سيناريو بديل أو خطة ب
ماذا لو لا قدر الله تعثر المسار الانتقالي في السودان؟ هذا السؤال إجابته في نقطتين، أولهما ضرورة الذهاب فورا لانتخابات رئاسية وبرلمانية وعدم الانجرار تحت أي دعاوى نحو النظام البرلماني، إنما العمل على بناء نظام رئاسي ديمقراطي، وعدم تكرار تجارب الفشل التي عرفها السودان من قبل حين ذهبت إلى النظام البرلماني، وكان مدخلا لعدم الفاعلية السياسية والضعف الحزبي والسياسي، وفتح الطريق أمام انقلابات الجيش.
أما النقطة الثانية فتتمثل في ضرورة البحث عن "الرجل الجسر" بين النظام القديم والجديد، ويتم التوافق عليه بين معظم القوى التي تقود المرحلة الانتقالية خاصة بين المدنيين والعسكريين، للترشح في انتخابات رئاسية تستكمل بشكل مختلف مهام المرحلة الانتقالية في حال تعثرها لا قدر الله.
إحدى النقاط المحورية التي يحتاج إليها السودان حاليا تتمثل في ضرورة وجود (ودعم) رجل/مشروع جسر بين النظام القديم والجديد، يكون إما ذي خلفية عسكرية ويؤمن بمدنية الدولة، أو مدني يؤمن بدور الجيش في المجتمعات العربية خاصة في المراحل الانتقالية، وفي كلا الحالتين لا يجب أن تتصور قوى الثورة أن من سيأتي للحكم الآن هو معبر بالكامل عن خطها أو "واحد منها"، إنما المطلوب التوافق على شخص/مشروع يضمن حقوقها في التنظيم والحركة، وأن يبني مسارا سياسيا ودولة قانون قادرة على تحويل معظم أعضاء التيارات الثورية من قوى احتجاجية تجيد الاعتصام والتظاهر إلى قوى منظمة حزبيا تقدم سياسات بديلة وقادرة على الحكم والنهضة بالسودان.
والحقيقة أن الرجل الجسر سيتعامل مع قوى ثلاثة في السودان، ولكي ينجح في التصدي لإحداها لا بد أن يكون جسرا توافقيا بين قوتين: الأولي هي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي قوى لديها رصيد شعبي لدى قطاع يعتد بها من الشعب، خاصة لدى الإدارة والقوى التقليدية والمحافظة المرتبطة تاريخيا بالجيش. والتيار الثاني هي قوى إعلان الحرية والتغيير التي تمثلها أحزاب سياسية مدنية بعضها ثوري متطرف، وبعضها الآخر إصلاحي معتدل، وهي طيف واسع من الحزب الشيوعي السوداني حتى حزب الأمة، وأخيرا هناك التيار الإسلامي الذي يمثل جانب منه امتدادا لمشروع الفشل الإخواني الذي حكم البلاد 30 عاما، وبعضه الآخر خليط من قوى سلفية ودينية محافظة وتقليدية.
والحقيقة أن السودان في حاجة إلى رجل/مشروع جسر بين القوتين الأولى والثانية حتى يستطع الانتصار على القوى الثالثة، ببناء مشروع بديل وليس فقط بالاكتفاء برفض حكمها ونظامها.
الرجل/المشروع الجسر كان روشتة نجاح لكثير من تجارب الانتقال الديمقراطية، التي استطاعت من خلاله بلاد كثيرة أن تبني دولة القانون المدنية.
aXA6IDE4LjExNy43OC44NyA= جزيرة ام اند امز