مجلس أبوظبي للتعليم أدرج مادة Google CS First كجزء من مناهجنا ليقوم بدراستها 450 ألف طالب وطالبة. وأصبح الترميز عنصراً مهماً للطلاب بغية تطوير البرامج وفهم علم الروبوتات
في عالم رقمي بامتياز، وفي ظلّ مشهد تكنولوجي لا ينفكّ يتحول ويتغير بابتكار جديد كل يوم فيؤثر بشكل جذري في طريقة عمل الناس وتواصلهم، أصبحت ضرورة توفير التعليم الجيد لشبابنا أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك لتزويده بالمهارات والمعارف المناسبة التي تمكّنه من مواكبة العصر والتأقلم مع متطلبات البيئة التكنولوجية الحديثة سريعة التغير.
فقد أضحى التعلُّم التقليدي الذي يقوم على حفظ المادة دون معرفة معناها سمةً من سمات العصور الماضية التي عفا عليها الزمن. واليوم أصبحت الأساليب والممارسات التربوية تتطلب تركيزاً أكبر على التفكير النقدي والإبداع والابتكار، الأمر الذي يتطلب تعديل مناهج التعليم والتركيز على مهارات الاقتصاد الحديث الذي تراجعت فيه الطريقة التقليدية لممارسة الأعمال التجارية فتغيرت متطلبات سوق العمل. هذه العناصر هي باختصار الأعمدة الأساسية التي نحتاج إلى ترسيخها من أجل بناء اقتصاد المعرفة وتعزيز قدرة دولتنا على المنافسة والتميز.
ومن خلال الدعم والجهود الكبيرة التي توفرها قيادتنا الرشيدة، والتي تركزت منذ أن أبصر اتحاد هذه الأمة النور، على إعطاء الأولوية للتعليم باعتباره ضرورة إستراتيجية، عملنا في وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم بجدّ لضمان تطوير المنظومة التعليمية في الدولة بشكل يواكب وتيرة العصر الرقمي والذي بات يعرف أيضاً باسم «الثورة الصناعية الرابعة».
وكما هو الحال في كل نقلة ثقافية نوعية، يلعب المعلم دوراً محورياً لا يمكن إغفاله، فبالإضافة إلى كونه القدوة والنموذج الذي يحتذيه شبابنا، فهو بمثابة المهندس والمصمم الذي يسهم في تشكيل ملامح نظام التعليم وإرساء دعائمه وتزويد الطلاب بالمهارات الضرورية التي يتطلبها اقتصاد المعرفة.
ونحن ندرك أن التعلم اليوم لم يعد يتمحور حول القدرة على القراءة والكتابة وأداء العمليات الحسابية فحسب، فمع بزوغ فجر عصر التكنولوجيا الرقمية، أحدثت عوامل التغيير التي حملها هذا العصر مثل الذكاء الصناعي وعلم الروبوتات وتكنولوجيا النانو والطباعة ثلاثية الأبعاد، تأثيراً مدوياً على تطور العملية التعليمية والتركيبة البشرية لسوق العمل والمهارات التي ينبغي التسلح بها لتلبية متطلبات المستقبل. فوفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، يُتوقع أن ينمو الطلب على التكنولوجيا ومهارات التفكير الحاسوبي بمقدار الخمس بحلول عام 2025. وسوف توفر هذه التقنيات 2.1 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 جميعها يتطلب المعرفة والمهارات في مجال الحوسبة والرياضيات والهندسة.
ولهذا السبب وفي إطار تطوير وإصلاح مناهج التعليم في الدولة، أدرجت وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم «الرقمنة» كأولوية أساسية في عملية التعلم. وسوف تضع مدارس المستقبل في دولتنا التفكير النقدي وعامل الإبداع والعمل الجماعي وحلّ المشكلات في طليعة اهتماماتها. وسوف تشمل مناهج التعليم التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والدراسات الاجتماعية، إلا أنها ستركز أيضاً على التكنولوجيا والابتكار في مجال التصميم والعلوم الصحية والمهارات العامة وإدارة الأعمال.
ومع وصول التكنولوجيات المذهلة التي تضعك في بيئة افتراضية غامرة كالواقع الافتراضي والواقع المعزز وتضاعف أثرها بشكل متزايد، انطلقت عملية دمج تكنولوجيا المعلومات والبرمجة في المدارس الابتدائية والثانوية وسيستمر هذا التوجه في المستقبل. وفي العام الماضي، أدرج مجلس أبوظبي للتعليم مادة Google CS First كجزء من مناهجنا ليقوم بدراستها 450 ألف طالب وطالبة. وأصبح الترميز عنصراً مهماً للطلاب بغية تطوير البرامج والتطبيقات والألعاب وفهم علم الروبوتات، وخلال العام الماضي أيضاً، اعتمد المجلس توفير طابعات ثلاثية الأبعاد داخل نوادي الابتكار في نحو 91 مدرسة ليتمكن الطلاب من تصميم أي مجسم يتخيلونه. وقام مجلس أبوظبي للتعليم حتى الآن بتدريب أكثر من 12 ألف شخص على أساسيات المناهج الجديدة وكيفية استخدام الموارد بشكل فعال.
ومن خلال هذه التقنيات سيتمكن المعلمون من تغيير نموذج التعلُّم. وهناك عدد من المدارس التي قدمت مثالاً ناجحاً على إستراتيجية التعليم الذكي، حيث تم دمج الأجهزة اللوحية للتعلم في الفصول الدراسية، وتم اعتماد مختبرات البرمجة لتشجيع الطلاب على التفاعل والتركيز على مهارات حل المشكلات وعلوم الروبوتات. وتشكل «مدرسة الاتحاد النموذجية» في أبوظبي مركزاً بارزاً لتبني مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والعمل الجماعي. أما «مدرسة فلج المعلا للبنات» في أم القيوين فهي نموذج مشرق لنهج التركيز على مواد الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا. وتشجع «مدرسة عمر بن الخطاب» النموذجية في دبي الابتكار من خلال اعتماد أسلوب التعلُّم التفاعلي.
وليست هذه المدارس سوى أمثلة بسيطة لعملية التحول التي يشهدها قطاع التعليم، فقد غدت تكنولوجيا التصميم والابتكار وحل المشكلات وعلوم الترميز والإبداع مجالات التركيز الجديدة في عملية التعليم. ومع استمرار تطور العملية التعليمية، بات من الممكن تخيل قيام الطالب بتقديم واجباته المدرسية عبر الإنترنت في المستقبل والمشاركة في نقاش في الفصول الدراسية عبر الأجهزة الرقمية أو حتى حضور الدرس عن بعد عبر الإنترنت.
إن التعليم كان ولا يزال رحلة عمل وتطوير مستمرة لا تتوقف، والمعلمون هم رسل المعرفة ورواد التجديد والابتكار وهم وحدهم القادرون على تحقيق النقلة النوعية المنشودة. فمن خلال التزامهم المتواصل وعملهم الدؤوب يرسمون إطار المستقبل ويعدون شباب الغد الذين يمسكون بزمام التغيير لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.
* نقلا عن جريدة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة