يبدو الوضع جامداً مع شيء من الاستقرار بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في هذه المرحلة
يبدو الوضع جامداً مع شيء من الاستقرار بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في هذه المرحلة طبعاً باستثناء عمليات الطعن التي ينفّذها بين حين وآخر فلسطينيّون لإسرائيليّين في مناطق تماسّهم. ورغم ردّ الفعل القاسي عليها من إسرائيل، ومحاولة الجهات الراديكاليّة الفلسطينيّة المتواصلة مع جهات راديكاليّة إسلاميّة في المنطقة تصويرها بداية انتفاضة ثالثة، رغم ذلك فإن الجمود المُشار إليه سيستمر. ولن تُنهيه مبادرة قيل إن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يُقدم عليها بين الانتخابات الرئاسيّة في الثامن من الشهر المقبل وانتهاء ولايته في العشرين من كانون الثاني المقبل. فهو منشغل كثيراً بالحرب السوريّة وبالعمل لمواجهة التردّي في علاقات بلاده مع روسيا فلاديمير بوتين. وفي أجواء كهذه لا يتوقّع أحد خطوة كهذه أو نجاحها.
أمّا العوامل التي تسبّبت بجمود الوضع الفلسطيني فكثيرة. بعضها إقليمي وبعضها الآخر داخلي أي إسرائيلي – فلسطيني. فإقليميّاً أنسى "الربيع العربي"، الذي تحوّل حروباً طاحنة في سوريا واليمن والذي أجّج حرب العراق، الشعوب العربيّة والإسلاميّة قضيّة فلسطين المُهمّة وقضيّة القدس الأكثر أهميّة، ودفع حكّامها إلى اهتمام كل منهم بحماية وضعه واستقرار بلاده ومصالحها. وإقليميّاً أيضاً ساهمت "الصلحة" التي حصلت بين تركيا "حزب العدالة والتنمية" برئاسة رجب طيب أردوغان وإسرائيل بنيامين نتنياهو، بعد "زعل" لم ينهِ العلاقات الاستخباراتيّة والسياسيّة الضمنيّة بينهما، في تهدئة الأوضاع في غزّة التي تحكمها "حركة حماس" حليفة هذه الـ"تركيا" وفي التخفيف مرحليّاً ربّما من حماستها لمُتابعة المواجهة مع إسرائيل، وخصوصاً في ظلّ عدم توقّعها أي عون إذا كان الردّ عليها قاسياً. أمّا في الضفّة الغربيّة فلا مشكلة لأن السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة ليست في وارد المواجهة العسكريّة مع إسرائيل ولا في وارد تشجيع "المبادرات الفرديّة" للمقاومين، فضلاً عن أن التنسيق الأمني بين الجهتين لم يتوقّف.
وإقليميّاً أخيراً ساهمت العلاقة غير الرسميّة بالتعاون الذي أُرسيت أُسسه بين اسرائيل ودول عربيّة خليجيّة جرّاء اعتبار الطرفين إيران خطراً مشتركاً وقرارهما مواجهته بعد اشتداده في السنوات الأخيرة، ساهمت هذه العلاقة في تجميد أو بالأحرى "تنويم" قضيّة فلسطين والعمليّة السلميّة لإيجاد حل لها.
وطبعاً في ظل كل ذلك أقدمت إسرائيل على تخفيف عدد من القيود الإسرائيليّة المفروضة على الفلسطينيّين. ومن شأن ذلك ربما السماح بنمو إقتصادي صغير في الضفّة وغزّة.
ما هي العوامل الداخليّة التي ساهمت أيضاً في جمود الوضع الفلسطيني – الإسرائيلي؟
يقول مُتابعون أميركيون وعرب إن الفلسطينيّين من سن الـ 15 إلى 40 بدأوا تغيير مواقفهم. إذ صاروا عاملين لاستقرار حياتهم ولم يعودوا يبحثون عن تسوية سلميّة مُتفاوض عليها أو حتى عن استقلال. بدأ ذلك بعد اغتيال إسحق رابين ووفاة ياسر عرفات وجورج حبش وغياب نايف حواتمه وفشل "سلطة" محمود عباس وانتشار فسادها كما فشل "حركة حماس"، ثم وصول اليمين إلى الحكم في إسرائيل. كل ذلك مع العوامل الإقليميّة المفصّلة أعلاه دفع الفلسطينيّين إلى الاقتناع "بأننا وحدنا الآن، لذلك يجب أن نبقى أحياء (Survive) على أرضنا وأن نُربّي أولادنا ونعلّمهم وأن ننزع فكرة الهجرة من رؤوسنا. ويقتضي ذلك أن نكون مُسالمين". وقد مارسوا اقتناعهم هذا وترجموه عمليّاً رغم عمليّات عسكريّة محدودة. وبدا عمليّاً أن حل الدولتين يُطبّق على نحو غير رسمي وإن من دون "أوراق رسميّة قانونيّة"، وأن المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي يتعايشان معاً على أرض واحدة ولكن مع إدارة كل منهما ظهره للآخر إذا جاز التعبير. طبعاً لا يعني ذلك أن فكرة التحرّر والاستقلال أو إرادتهما اختفت عند الفلسطينيّين، لكنّها لم تعد الآن أولويّة مُلحّة.
هل يفيد ذلك إسرائيل؟
وقتياً، ذلك أنه يجلب لها السلام في الداخل إلى حد كبير. لكن المستقبل يبقى مُخيفاً لأن الديموغرافيا الفلسطينيّة مع الوقت ستتساوى مع الديموغرافيا الإسرائيلية، وسيصعّب ذلك الحكم على الإسرائيليّين. علماً أنه سيُصبح أكثر صعوبة عندما تتفوّق الديموغرافيا الفلسطينيّة على الإسرائيليّة وذلك أمر متوقّع. وفي الانتظار يتقاتل العرب شعوباً وطوائف ومذاهب ويُدمّرون دولهم، وذلك لا يصبّ في مصلحة الفلسطينيّين، فضلاً عن أنّه سيمدّ بعمر إسرائيل كثيراً، لأن الدول التي تهدّدها تتحوّل ركاماً بالتدرج.
نقلا عن / النهار
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة