لقد تغيرت الحياة بشكل ملحوظ في دول شمال أوروبا منذ بدء النزاع الروسي-الأوكراني.
هذا بالطبع بشكل خاص داخل دول إسكندنافية مطلة على بحر البلطيق الاستراتيجي، مثل السويد وفنلندا، فالدولتان المذكورتان لم تنضما لحلف شمال الأطلسي، الناتو، منذ تأسيسه، فقط لديهما شراكة محدودة عسكرياً مع منظومة الحلف منذ سنوات.
لكن النزاع الدائر في أوكرانيا جعل حكومتي السويد وفنلندا ترفعان وتيرة الحديث المباشر عن انضمام البلدين الأوروبيَّين إلى الحلف، فقد سافر قبل أيام الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، إلى واشنطن، وعقد مباحثات مهمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في "البيت الأبيض"، لتنضم إلى ذاك الاجتماع لاحقاً عبر الفيديو رئيسة وزراء السويد الجديدة، ماجدالينا أندرسون، ويتحدث الجميع عن مسألة الانضمام لـ"الناتو".
لدى ستوكهولم، كما هلسنكي، مخاوف أمنية مرتبطة بروسيا، والجيش السويدي، كما الفنلندي، شارك في مناورات الحلف الأطلسي في النرويج بقيادة المملكة المتحدة، وهي مناورات ضخمة ضمت قرابة 30 ألف عسكري، وتعتبر الأضخم من نوعها.
وقد انكب المشرّعون في برلمانَي السويد وفنلندا على بحث موضوع تقديم طلب رسمي للدخول في حلف الناتو، والأحزاب السويدية والفنلندية لديها وجهات نظر مختلفة حول هذه المعضلة سياسياً، وقد حسمت الجدل رئيسة وزراء السويد في الأيام القليلة الماضية حين قالت: "السويد لم تحسم أمرها بعد، وتراقب التطورات الدولية، ولا تريد الخروج من الحياد المعروف عنها".
أما فنلندا، التي تشترك مع روسيا في حدود برية كبيرة في الجهة الشرقية، وتستورد الغاز والنفط الروسي بكميات ضخمة، فإن موقفها غامض للغاية، وتخشى من الدخول في أتون معارك سياسية وأمنية مع موسكو، التي حذرت وتحذر من تلك الخطوة السويدية الفنلندية المحتملة، حماية لأمنها القومي.
ومع أن قادة حلف الناتو يحرصون على إبقاء سياسة الأبواب المفتوحة حيال أي بلد أوروبي يفكر في الانضمام للناتو، فإن بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، عقد قمة مهمة مع دول البلطيق والدول الإسكندنافية، لبحث الوضع في أوكرانيا، وما سمّته لندن "التهديد الروسي" لتلك الدول.
والمعروف عن السويد أنها تقوم بدور سياسي إيجابي وحيادي تجاه كثير من الأزمات حول العالم، لا سيما الخلافات الروسية-الأوربية، فقد اجتمع في ستوكهولم قبل أشهر ولأول مرة كل من وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، ونظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، على هامش اجتماعات مجلس الأمن والتعاون في أوروبا.
أما فنلندا، التي استضافت في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، القمة الشهيرة والوحيدة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فإنها عادت وجدّدت موقفها الداعي للحوار بين كييف وموسكو، وعرضت على الجانبين تنظيم قمة بين "بوتين" ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، من أجل إنهاء النزاع بين بلديهما.
ومما لا شك فيه أن الأمن العالمي اليوم يشهد تغيراً غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، والخيارات المتاحة لبلدان، مثل السويد وفنلندا، وهواجسهما تجعلها أمام أمرين أحلاهما مرٌ.
وكون العالم اليوم يمر بإحدى الأزمات التاريخية الكبرى، التي تهدد بتداعيات استثنائية تطال مختلف الدول، ففي هذه اللحظة الفارقة، فإن تبنِّي القيادتين السويدية والفنلندية نهجاً قائماً على مبادئ سيادة الدول وتغليب العقل والدبلوماسية لخفض التصعيد، أصبح أمراً بعيد المنال، لأن الحلول السياسية لتجنب مزيد من النزاع الدائر قرب حدودهما، باتت في مهب الريح.
فهل ستتقبل روسيا عضوية جارين غربيّين جديدين في حلف الناتو؟
هذا هو السؤال الكبير، الذي أجبر وزيرة خارجية السويد، آنا ليند، لتقول: "على موسكو التوقف عن التعليق حول مسائل تخص السويد كدولة ذات سيادة وقرار مستقل".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة