نمت صادرات الصين بشكل مفاجئ في يونيو 2021، متخلصة من أثر اضطراب موانئ الجنوب، ما ساعد على دعم الاقتصاد وسط علامات بتباطؤ ذلك التعافي.
وقد تسارع نمو الصادرات إلى 32.2%، وفقا للقيمة بالدولار الأمريكي في شهر يونيو الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق.
وقد أعلنت هيئة الجمارك، يوم الثلاثاء الماضي، أنه بذلك انقلبت توقعات الاقتصاديين، التي كانت ترجح حدوث تباطؤ في نمو الصادرات إلى 23% فقط.
وقفزت الواردات هي الأخرى بنسبة 36.7%، وهو ما يخالف أيضا التوقعات بنمو يبلغ 29.5% فقط، وقد ترك هذا فائضا تجاريا يبلغ 51.5 مليار دولار خلال يونيو، وهو الفائض الأعلى منذ يناير 2021.
وساعد الإقبال العالمي على السلع الصينية، التي تتضمن سلعا طبية وأجهزة عمل من المنزل، على تحفيز الصادرات هذا العام، كما أظهرت البيانات توسعا في قاعدة الصادرات، مع نمو قوي في شحن سلع مثل الهواتف الخلوية، والمنتجات البترولية المكررة، والأحذية.
وجاء الارتفاع في التجارة خلال الشهر الماضي، رغم عودة تزايد حالات فيروس كورونا في جنوب الصين، ما تسبب في تأخر الشحن من بعض الموانئ الرئيسية معظم شهر يونيو.
والارتفاع المفاجئ في الصادرات ربما يعود إلى حد بعيد نتيجة لزيادة أسعار السلع، مع غلاء أسعار خام الحديد، وتمرير الضغوط السعرية من الواردات للصادرات.
ويرى البعض أن نمو الصادرات ربما ينتابه التباطؤ خلال النصف الثاني من العام الجاري، بسبب الارتفاع الكبير الذي حدث خلال فترة القياس المناظرة، أي مستوى الصادرات خلال النصف الثاني من العام الماضي.
وأشار متحدث هيئة الجمارك إلى توقع نمو أبطأ للواردات والصادرات في بقية العام، بينما ذكر أنه بالنسبة للعام ككل فمن المتوقع أن تستمر التجارة في تسجيل توسع سريع نسبيا.
وأشار المتحدث إلى أن تطور التجارة الخارجية سوف يظل يواجه عددا كبيرا من العوامل غير المتوقعة وغير المستقرة خلال النصف الثاني من العام، وذلك بسبب استمرار انتشار فيروس كورونا في جهات عدة حول العالم وبقاء الوضع الوبائي معقدا.
وقد تباطأ نمو الصادرات الصينية للولايات المتحدة في شهر يونيو إلى 17.8%، بينما ارتفع نمو الصادرات بقوة إلى كل من هونج كونج، واليابان، وكوريا الجنوبية.
واستمر الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة في الارتفاع، ليبلغ 32.6 مليار دولار خلال الشهر الماضي، وهو أعلى فائض شهري منذ يناير 2019.
ويبين التباطؤ في نمو الواردات أن تعافي الطلب المحلي يبدو أنه يفقد الزخم، رغم أن المعدل الذي سجلته الواردات يبقى قويا نسبيا.
ويرى بعض الاقتصاديين أن الميزان الخارجي القوي يتناقض مع ضعف الاقتصاد المحلي، رغم أن الاقتصاد المحلي هو ما تهتم به القيادة الصينية في ظل ما يسمى بـ"استراتيجية التداول المزدوج"، وهو ما سوف نعرض له لاحقا.
أيضا ما دامت الصادرات قوية، فإن السلطات تعد مرتاحة لتوقعات سعر صرف اليوان، بغض النظر عن التغيرات في دورة سعر الفائدة التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، "بنك الولايات المتحدة المركزي".
والواقع أن هذه البيانات الجيدة نسبيا بشأن التجارة الصينية خلال شهر يونيو 2021 تلقي بمعضلتين أمام صانع القرار الصيني.
المعضلة الأولى هي أن استمرار تحقق فوائض كبيرة في الميزان التجاري الصيني مع الولايات المتحدة يقلل فرص تهدئة النزاع مع واشنطن.
فمن المعروف أن العجز التجاري الأمريكي مع الصين كان السبب الأول وراء اتجاه الإدارة الأمريكية السابقة "إدارة ترامب" إلى رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية.
كما أن اتفاق المرحلة "1" التجاري، الذي وقعته الصين والولايات المتحدة في شهر يناير 2020، لم ينجم عنه انخفاض في العجز التجاري الأمريكي كما كان الهدف، رغم أن الصين اشترت كمية أكبر من السلع الأمريكية، خاصة الزراعية.
فوفقا للبيانات الأمريكية، بلغ عجز الميزان التجاري الأمريكي مع الصين في الستة أشهر الأولى من العام الماضي نحو 131.235 مليار دولار، بينما بلغ العجز في الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي 130.705 مليار دولار، وإذا أضفنا لهذا الرقم العجز في شهر يونيو، الذي تقول الإحصاءات الصينية إنه بلغ 32.6 مليار دولار، يصبح العجز خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي هو 163.835 مليار دولار.
وهناك ارتفاع كبير في العجز التجاري الأمريكي خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام، مقارنة بالعجز خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
ودون شك، فإن هذا الأمر يثير حفيظة واشنطن، التي تترقب انخفاض هذا العجز، لا زيادته.
والواقع أن الرئيس الأمريكي "بايدن" خالف إدارة "ترامب" في كثير من سياساتها، إلا فيما يتعلق بالتعامل مع الصين، خاصة التعامل التجاري، إذ لم تسع إدارة "بايدن" إلى أي تخفيف من الرسوم الجمركية الصينية أو في القيود المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية الكبيرة مثل هواوي.
بل إن الإدارة الأمريكية تسعى لحل خلافاتها التجارية والاقتصادية عموما مع الاتحاد الأوروبي من أجل تشكيل جبهة معارضة قوية في وجه الصعود الصيني، وهو ما يلاقي نجاحا ملموسا حتى الآن.
المعضلة الثانية تكمن في تزايد التجارة الخارجية الصينية بنسب قوية نسبيا، في وقت تراجع مؤشرات مبيعات التجزئة المحلية، وهو ما يعني العودة للاعتماد على التجارة الخارجية كمصدر للنمو الصيني مقابل تراخي المصادر الداخلية.
وترى الصين ضرورة الاعتماد أكثر على الطلب المحلي كسبيل لتعزيز نمو قوتها ومناعتها الاقتصادية تجاه ضغوط الخارج، فكلما انخفضت نسبة التجارة الخارجية، خاصة الصادرات، من الناتج المحلي الإجمالي، وكلما زادت نسبة الطلب المحلي في الناتج المحلي الإجمالي الصيني، كان ذلك أدعى إلى تعزيز الاستقلال الاقتصادي واستمرار الصعود الصيني دون أن يكون معرضا لضربات انتقامية من الخارج تحت لافتة "الحرب التجارية"، سواء كان ذلك عن طريق فرض رسوم جمركية مرتفعة أو فرض حصص كمية على الصادرات الصينية أو غيرها من الأساليب.
ومع هذا التراخي في النمو الصيني، استنادا إلى الطلب المحلي، أو بمعنى آخر تباطؤ تعافي الاقتصاد، خفض بنك الصين المركزي نسبة الاحتياطي المطلوب من المُقرضين الصينيين، يوم الجمعة قبل الماضي، ما يسمح بتوافر المزيد من السيولة المتاحة للإقراض، وهو الأمر الذي دفع بعض الاقتصاديين إلى التكهن بأن صانعي السياسة كانوا يتبعون منهجا استباقيا بتيسير السياسة، وذلك للسماح باستمرار التعافي الاقتصادي القوي استنادا إلى الأداء الداخلي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة