دبلوماسية الموعد النهائي لترامب.. هل تنجح مع بوتين؟

بين الإنذارات المتكررة والمهل المتبدلة، تتكشف ملامح دبلوماسية «العد التنازلي» أو «الموعد النهائي» التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعامله مع الحرب الأوكرانية.
فمن أسبوعين إلى خمسين يومًا، ثم إلى عشرة أيام فقط، مواعيد نهائية حددها ترامب في محاولة منه لدفع موسكو نحو طاولة التفاوض، لكن مع استمرار موسكو في تصعيد ضرباتها، تزداد التساؤلات حول مدى فاعلية هذه الدبلوماسية في مواجهة استراتيجية الكرملين الطويلة النفس.
فهل تُثمر مقاربة ترامب القائمة على التهديد بالرسوم الجمركية والعقوبات الثانوية، في ثني بوتين عن مساره العسكري؟ أم أن الرجل في الكرملين بات يدرك أن إنذارات البيت الأبيض قد تكون، في جوهرها، أوراق ضغط سياسية أكثر منها التزامات تنفيذية؟
هل تنجح مع بوتين؟
تقول شبكة «سي إن إن» الأمريكية، إن فقدان ترامب الصبر مع الكرملين يبدو أنه يكتسب زخما، مشيرة إلى أن خطاب ترامب المتقلب بشأن حرب أوكرانيا، والذي كان يتأرجح لعدة أشهر بين إلقاء اللوم على كييف وموسكو، يبدو الآن وكأنه اتخذ نبرة أكثر اتساقا تنتقد الكرملين وسلوك زعيمه القوي فلاديمير بوتين بشكل عام.
وقال ترامب في وقت سابق من يوم الإثنين: «اعتقدنا أننا قد حسمنا الأمر عدة مرات، ثم خرج الرئيس بوتين وبدأ في إطلاق الصواريخ على بعض المدن مثل كييف». وجدد ترامب أيضًا تهديده بفرض الرسوم الجمركية والعقوبات، متسائلاً عما إذا كان الكرملين سيستسلم.
ولطالما استبعد الكرملين إنهاء الحرب في أوكرانيا حتى يحقق أهدافه القصوى، والتي تشمل السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية التي ضمّها، وفرض قيود عسكرية وسياسية خارجية صارمة على أوكرانيا ما بعد الحرب، مما سيُخضع كييف لإرادة موسكو.
ومن غير المرجح أن يؤدي أي تهديد بفرض المزيد من العقوبات على روسيا، التي تعد بالفعل واحدة من أكثر الدول الخاضعة للعقوبات في العالم، إلى تحويل انتباه الكرملين الذي يبدو عازماً على تحقيق أهدافه بأي ثمن.
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن مجرد تقديم هذا التهديد لبضعة أسابيع، كما فعل ترامب الآن، من غير المرجح أن يكون له تأثير يذكر على حسابات الكرملين المتشددة، خاصة وأن العقوبات التي هدد بها ترامب يُنظر إليها على نطاق واسع في روسيا على أنها عديمة القوة أو مستحيلة التنفيذ.
سياسة ناجعة؟
فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الصادرات الروسية على أنها لا معنى لها تقريبا في بلد لا تتجاوز قيمة التجارة بينه وبين الولايات المتحدة بضعة مليارات من الدولارات سنويا.
وربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية عقابية أو عقوبات ثانوية على الدول التي تشتري النفط الروسي، تقول الشبكة الأمريكية، إلا أنها أشارت إلى أن أكبر مستوردي هذه السلعة هما، بالطبع، الهند والصين.
واستبعدت أن يقحم ترامب، الولايات المتحدة في حرب تجارية عالمية بسبب قضية أوكرانيا، محذرة من أنه حتى في حال موافقة الصينيين والهنود والأتراك، على التوقف عن شراء النفط الروسي، فإن صدمة فقدان الإمدادات الروسية ستكون عميقةً في الأسواق. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاعٍ حادٍّ في أسعار النفط الخام، مما يُفاقم التضخم العالمي، بل وحتى أسعار البنزين في محطات الوقود بالولايات المتحدة.
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإنه حتى قبل التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي، كان المقربون من الكرملين يسخرون علانية من الإنذارات التي وجهها ترامب.
«خمسون يومًا! كانت 24 ساعة، ثم 100 يوم. لقد مررنا بكل هذا»، هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي المخضرم، سيرغي لافروف، ساخرًا في وقت سابق من هذا الشهر.
والآن، أثارت المهلة الزمنية الأخيرة الممتدة من 10 إلى 12 يوماً ردود فعل أقوى.
وكتب سيرغي ماركوف، المحلل السياسي الروسي البارز، على «تليغرام»: إن الرد الروسي الفعلي على إنذار ترامب سيكون هو نفسه الذي كان عليه خلال الخمسمائة عام الماضية لجميع الإنذارات».
ولاحظ العديد من المحللين أن مواعيد ترامب النهائية غالبًا ما تكون قابلة للتغيير. فهو غالبًا ما يعد بشيء ما خلال «أسبوعين» ثم لا يفي به. كما أن مواعيده النهائية للرسوم الجمركية تُؤجل بانتظام عند عدم إبرام اتفاقيات تجارية.
لكن ربما لا تُعدّ هذه المواعيد النهائية أكثر أهميةً في أي مجالٍ من السياسة الخارجية مع الخصوم. وقد أثبت ترامب مرارًا وتكرارًا هذا العام أن حتى هذه المواعيد النهائية ليست صعبةً بشكلٍ خاص.
وهذا هو الحال بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بروسيا، حيث أعطى ترامب لنفسه سلسلة من المواعيد النهائية لمدة «أسبوعين»، ثم ترك هذه المواعيد النهائية تمر - قبل أن ينتقل إلى 50 يومًا والآن 10-12 يومًا.
وعندما سُئلت الشهر الماضي عن المواعيد النهائية التي استغرقت أسبوعين، أكدت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت أن هذه «صراعات عالمية معقدة» يحاول ترامب حلها.
لكن الرئيس أيضًا شخصٌ شدّد، على الأقل في الماضي، على حماقة وضع خطوط حمراء مع الخصوم وعدم الالتزام بها. فقد انتقد مرارًا الرئيس الأسبق باراك أوباما لوضعه «خطًا أحمر» مع سوريا بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، ثم عدم اتخاذه أي إجراء عند تطبيقه.
أوكرانيا في ولاية ترامب الثانية
في البداية، ركّزت جهود ترامب على إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ ففي أواخر فبراير/شباط الماضي، استضاف ترامب زيلينسكي في مؤتمر صحفيّ حادّ في المكتب البيضاوي، انتقد فيه الرئيس الأوكراني بشدة وشكّك في استعداده للسلام. بعد ذلك بوقت قصير، جمّد ترامب المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
تبع ذلك محادثات في السعودية، حيث قبلت أوكرانيا وقف إطلاق نار محدود لمدة 30 يومًا في 11 مارس/آذار الماضي، ومع ذلك، في مكالمة هاتفية في 18 مارس/آذار الماضي، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عدم استهداف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، لكنه رفض اقتراح ترامب بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا، بحسب موقع «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي.
تعثر التقدم، حيث انتقد ترامب في 23 أبريل/نيسان، زيلينسكي بشدة لإطالة أمد «ساحة القتل» برفضه تسليم شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا. في اليوم التالي، وجه ترامب أول توبيخ له لبوتين، في أعقاب هجوم صاروخي روسي كبير على كييف.
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، تصاعد إحباط ترامب من بوتين. وفي أعقاب تصعيد الكرملين هجماته الصاروخية والطائرات المسيرة ، منح ترامب بوتين مهلة 50 يومًا، ابتداءً من 14 يوليو/تموز، لإبرام اتفاق سلام، وإلا واجه رسومًا جمركية أمريكية.
الآن، مدّد الرئيس دونالد ترامب مجددًا الموعد النهائي الذي حدده لفلاديمير بوتين لبدء محادثات السلام بشأن أوكرانيا، هذه المرة إلى 10-12 يومًا فقط . لكن مع غياب أي اختراق دبلوماسي في الأفق، وتكرار الضربات الصاروخية الروسية التي تُقوّض المبادرات الدبلوماسية، ما الذي قد يحدث إذا تجاهل بوتين هذا الإنذار الأخير؟ هل تُحدث الرسوم الجمركية الباهظة أو الضغوط غير المباشرة على الدول الأخرى فرقًا؟ وكيف سيبدو مسار الحرب إذا لم يكن أيٌّ من الطرفين راغبًا أو قادرًا على التفاوض؟
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUg جزيرة ام اند امز