داوود عبدالسيد.. مخرج الأسئلة الكبرى (بروفايل)
رحل المخرج داوود عبدالسيد بعد صراع مع المرض، تاركًا مسيرة سينمائية استثنائية جعلته واحدًا من أهم صناع الوعي في تاريخ السينما المصرية.
في صباح السبت، أسدل الستار على رحلة المخرج المصري الكبير داوود عبدالسيد، الذي رحل بعد صراع مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا لا يُقاس بعدد الأفلام، بل بعمق الأسئلة التي زرعها في وجدان المشاهد.
عانى عبدالسيد خلال الفترة الماضية من مشكلات صحية في الكلى، حظيت بمتابعة مباشرة من وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو، تقديرًا لمكانته بوصفه أحد رموز القوة الناعمة وصاحب مشروع سينمائي فريد، ظل وفيًا له حتى لحظاته الأخيرة.

لم يكن داوود عبد السيد مخرجًا تقليديًا، بل صاحب رؤية فلسفية جعلت أفلامه أقرب إلى مرايا تعكس أسئلة الإنسان والمدينة والسلطة والخوف والحلم.
من «الصعاليك» إلى «الكيت كات»، ومن «البحث عن سيد مرزوق» إلى «أرض الخوف»، ظل يفتش عن الإنسان في أكثر لحظاته هشاشة وتعقيدًا، مقدمًا سينما تعتمد على الفكرة قبل الإبهار، وعلى العمق قبل التسلية.
وقبل سنوات من رحيله، أثار عبد السيد جدلًا واسعًا بإعلانه اعتزال الإخراج السينمائي نهائيًا، مؤكدًا في حواره مع الإعلامية قصواء الخلالي أنه لم يعد قادرًا على التفاعل مع ذائقة الجمهور السائدة، التي باتت تميل، من وجهة نظره، إلى التسلية الخالية من القضايا. وانتقد الاعتماد المفرط على مشاهد العنف وتحطيم السيارات وتقليد السينما الأمريكية، معتبرًا أن هذه العناصر لا تعبّر عن واقع الإنسان ولا تغوص في النفس البشرية.

وُلد داوود عبدالسيد في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1946، وتخرج في المعهد العالي للسينما عام 1967.
ورغم أنه حلم في طفولته بأن يصبح صحفيًا، قادته رحلته إلى عالم الصورة، حيث بدأ مساعدًا لمخرجين كبار مثل يوسف شاهين وكمال الشيخ، قبل أن يشق طريقه الخاص.
في بداياته، أنجز عددًا من الأفلام التسجيلية ذات الطابع الاجتماعي، كشفت شغفه بالمدينة والناس، قبل أن ينتقل إلى السينما الروائية بفيلم «الصعاليك» عام 1985، ثم يقدّم واحدًا من أهم كلاسيكيات السينما المصرية «الكيت كات» عام 1991.
وتوالت بعد ذلك أعماله اللافتة مثل «أرض الأحلام»، «سارق الفرح»، «أرض الخوف»، «مواطن ومخبر وحرامي»، وصولًا إلى «رسائل البحر»، وآخر أفلامه «قدرات غير عادية» عام 2015.

تميّز داوود عبد السيد بكونه مؤلفًا ومخرجًا لمعظم أفلامه، محافظًا على استقلال رؤيته وخصوصية مشروعه الفني، بعيدًا عن منطق السوق السريع. وبرحيله، تفقد السينما المصرية أحد أكثر مبدعيها اختلافًا وجرأة، مخرجًا آمن بأن السينما ليست مجرد حكاية تُروى، بل سؤال يُطرح، ويبقى مفتوحًا.