ماتت بعد 40 يوما من الولادة.. اكتشاف أقدم قبر لرضيعة في أوروبا
قبل 10 آلاف عام، بعد العصر الجليدي الأخير مباشرة، دفن مجموعة من الصيادين وجامعي الثمار طفلة رضيعة في كهف إيطالي.
ووضع الصيادون مع جثمان الطفلة مجموعة غنية من الخرز والمعلقات الثمينة، ومخلب النسر البومة، ما يشير إلى حزنهم، وهو ما يظهر أنه حتى أصغر الإناث تم الاعتراف بهن كأشخاص كاملين في مجتمعهن.
ونُشرت أعمال التنقيب والتحليل لأقدم قبر لرضيعة في أوروبا، في دورية "نيتشر ساينتفيك ريبوزتيز"، وهي تقدم نظرة ثاقبة في أوائل العصر الميزوليتي (العصر الحجري الوسيط)، والتي لا يُعرف منها سوى القليل عن المدافن المسجلة.
وقامت كلودين جرافيل ميغيل، باحثة ما بعد الدكتوراه في معهد الأصول البشرية في جامعة ولاية أريزونا (ASU) والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بتحليل الزخارف، والتي تضم أكثر من 60 حبة صدفة مثقوبة وأربع قلادات صدفية.
وتوفر الممارسات الجنائزية نافذة على وجهات النظر العالمية والبنية الاجتماعية للمجتمعات السابقة، ويوفر الشكل الجنائزي للأطفال رؤى مهمة حول من كان يتمتع بالأهلية الكاملة لعضوية المجموعة.
وتظهر المعاملة الجنائزية "المتساوية" لهذه الرضيعة، والتي أطلق عليها الفريق اسم "نيف"، أنه منذ 10 آلاف عام في أوروبا الغربية، تم الاعتراف حتى بأصغر الإناث كأشخاص كاملين في مجتمعهم.
ويقول جيمي هودجكينز، من جامعة ولاية أريزونا وعالم الحفريات في جامعة كولورادو في تقرير نشره الثلاثاء الموقع الالكتروني لجامعة أريزونا: "إن تطور كيفية دفن البشر الأوائل موتاهم كما ظهر في السجل الأثري له أهمية ثقافية هائلة".
ويقع كهف"أرما فييرانا" الذي دفنت فيه الطفلة في جبال الألب الليغورية شمال غرب إيطاليا، وهو مكان شهير تزوره العائلات المحلية، واكتشف اللصوص الموقع أيضًا ، وأدى حفرهم عن أدوات العصر البليستوسيني المتأخر إلى جذب الباحثين إلى المنطقة.
وبدأ فريق البحث مسح الموقع في عام 2015 واكتشف البقايا خلال الأسبوع الأخير من الموسم الميداني لعام 2017، وقضى الباحثون موسمي التنقيب الأولين بالقرب من مدخل الكهف، ما أدى إلى اكتشاف الطبقات التي تحتوي على أدوات عمرها أكثر من 50000 عام ترتبط عادةً بإنسان نياندرتال في أوروبا (أدوات موستيرية)، كما عثروا على بقايا وجبات قديمة مثل عظام الخنازير البرية والأيائل المقطوعة وقطع الدهون المتفحمة، بالإضافة إلى ذلك، كما جدوا أدوات حجرية كانت أكثر حداثة.
ولفهم طبقات الكهف بشكل أفضل وتوثيق تاريخ احتلاله، افتتح الفريق أقسامًا جديدة داخل الكهف في عام 2017، وبينما كان الفريق يستكشف تلك الأقسام، بدأوا في الكشف عن خرزات صدفيّة مثقوبة، والتي فحصها الفريق بعناية أكبر في الكهف.
وبعد أيام قليلة من عثورهم على الخرزة الأولى، اكتشف أحد المنقبين جمجمة الطفلة الرضيعة.
ويقول جرافيل ميغيل، الباحث المشارك بالدراسة:"كنت أقوم بالتنقيب وفكرت أن هذا عظم غريب، سرعان ما أصبح واضحًا أننا لا ننظر إلى جمجمة بشرية فحسب، بل إنها كانت أيضًا لشخص صغير جدًا، لقد كان يومًا عاطفيًا".
وباستخدام أدوات طب الأسنان وفرشاة طلاء صغيرة، أمضى الباحثون ذلك الأسبوع والموسم الميداني التالي للكشف عن الهيكل العظمي بأكمله بعناية، والذي كان مزينًا بخطوط مفصلية من خرزات صدفة مثقوبة.
وفي سلسلة من التحليلات المنسقة عبر مؤسسات متعددة والعديد من الخبراء ، كشف الفريق عن تفاصيل مهمة حول الدفن القديم، وحدد التأريخ بالكربون المشع أن الطفل عاش قبل 10000 عام، وكشف تحليل بروتين الأميلوجينين والحمض النووي القديم أن الرضيع كان أنثى تنتمي إلى سلالة من النساء الأوروبيات تعرف باسم مجموعة هابلوغروب.
وأظهرت دراسة نسيج وبنية أسنان الرضيع أنها توفيت بعد 40 إلى 50 يومًا من الولادة وأنها تعرضت للإجهاد الذي أوقف نمو أسنانها لفترة وجيزة من ولادتها، وكشفت تحليلات الكربون والنيتروجين للأسنان أن والدة الطفل كانت تغذي الرضيع في رحمها على نظام غذائي قائم على الأرض.