التعليم عن بُعد في لبنان.. معضلة بظل أزمات كورونا والاقتصاد
"العام الدراسي الجديد يبدأ في 28 سبتمبر/أيلول المقبل".. هذا ما أعلنه وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية طارق المجذوب.
بات التعليم عن بُعد، الشغل الشاغل للأهل والطلاب والمدارس والوزارات المعنية في لبنان، بعدما كان مجرد "تجربة اضطرارية" حلت بثقلها على هذه الأطراف الـ4، في ظل انتشار وباء فيروس كورونا المستجد والأوضاع الاقتصادية المتردّية.
ودفعت تلك التجربة الجميع إلى إجراء تعديلات في الأساليب والسلوكيات التعليمية والتربوية، ما يعكس نزاعا لا يزال قائما بين ما اعتادوا عليه من وسائل التعليم التقليدية، وبين ما فرضه الواقع الجديد، بفعل الظروف المستجدة خصوصا مع ارتفاع المعدلات اليومية لإصابات كورونا في الفترة الأخيرة.
"العام الدراسي الجديد يبدأ في 28 سبتمبر/أيلول المقبل".. هذا ما أعلنه وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية طارق المجذوب، موضحا في حديث تلفزيوني أنه "في حال ساءت الأوضاع الصحية، فالتعليم سيكون عن بُعد وإذا كان الوضع مقبولاً سنعتمد "التعليم المدمج".
وتعليقاً على هذا الإعلان يؤكد رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية عماد الأشقر في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه حتى اليوم لم يصدر أي بيانِ أو قرار رسمي عن الوزير ذاته بشأن "التعليم عن بُعد".
وكشف عن قرب الإعلان عن بروتوكول تربوي-صحي، ستلتزم به المدارس الرسمية والخاصة على حد سواء، حيث وافقت عليه وزارة الصحة اللبنانية ثم قامت منظمة الصحة العالمية بإدخال التعديلات عليه.
وأوضح أن هذا البروتوكول يتناول كل ما يتعلق بالتعليم عن بُعد بالنسبة للطلاب والأهل والمدارس والوزارة ووسائل النقل، وإجراءات التباعد الاجتماعي والالتزام بحملات التوعية وأساليبها.
استنفار حكومي
وفي ما يتعلق باحتمالات إقرار التعليم عن بُعد أو التعليم المدمج، يُشدد الأشقر على أن ذلك سيكون تبعاً للمستجدات، مشيراً إلى أنه لا تعديلات في البرامج المقررة لهذا العام لكافة المراحل التعليمية، ملمحاً إلى احتمال اللجوء إلى تقسيم الصفوف بين فترتين (قبل الظهر وبعد الظهر) وإلى تقسيم الطلاب وفقاً لطريقة يوم تعليم ويوم عطلة.
وفي الوقائع الميدانية، يرى الأشقر أن وزارة التربية اللبنانية مستنفرة بأجهزتها كافة، وباتت جاهزة للتعامل مع أي طارىء قد يحدث.
ويشرح: "المدارس الخاصة باشرت بتحضير قسم للمنصات، وإنجاز آلية التعاطي مع الطلاب ودورات تدريبية، فيما أطلقت الوزارة منصة مجانية للطلاب، لتشجيعهم على دخولها، عندها يصبح لكل منهم كلمة مرور خاصة به، وهذا ما يوفر تكاليف مادية على المدارس التي ليس لديها فريق متخصص، أو التي تعمل على إنشائه. على صعيد متصل يؤكد الأشقر أن معظم المدارس الخاصة وبنسبة 75 % أوقفت الأنشطة التفاعلية التقليدية المشتركة بين الطلاب، كالرياضة وحصص الألعاب والتسلية والترفيه، ولا سيما صغار السن، تجنباً لانتقال الفيروس بينهم.
افتقار للتواصل المباشر
بدوره، يوضح الأكاديمي والباحث في اقتصاد المعرفة البروفسور بيار الخوري في حديث لـ"العين الإخبارية" أن التعليم عن بُعد هو اقتصاد كبير عالمياً، إذ تبلغ تكاليفه حوالي تبلغ 25 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك التكاليف السنوية بمليارات الدولارات في اليابان وأوروبا والصين، لأنه بات يعد نظاماً تربوياً كاملاً وعابراً للقارات.
فيما تقول منى حلوم هي والدة أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية لـ"العين الإخبارية": "هناك فارق كبير بين التعليم عن بُعد والتعليم التقليدي، ونحن اعتدنا على الثاني، وأواجه صعوبات مع إبني، فالتعليم المدرسي أسهل وأفضل، هناك يكون التواصل مباشر بين الأستاذ والطالب، ويشجع على الإبداع والتفكير بإيجابية وبروح تنافسية وليس فردية كما يحصل في التعليم عن بعد".
تحديات صعبة
ويتساءل كثير من الأهالي: "إذا كان هذا النظام أحد الترتيبات التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد، فكيف يمكن له أن يكون فعالاً ومجديا بالنسبة للطلاب وعائلاتهم، وكذلك بالنسبة إلى المعلمين؟ وماذا عن مستقبل هذا النظام بعد تطبيقه العام الماضي وظهور الكثير من العيوب به وعلى عدة مستويات؟.
ويعلق الخوري على تلك التساؤلات قائلا: "هذا يرتبط بالإدراك الحسي لدى الناس، لذلك أجد أن ردود أفعال الطلاب والأهل كلها مبررة"، مورداً جملة من التحديات الصعبة التي لا تزال تحول دون نجاح هذه التجربة في لبنان وهي:
1- الضعف الذي تعاني منه شبكتي الكهرباء والإنترنت والاتصالات في كل المناطق اللبنانية.
2- الضعف الواضح في تأهيل المعلمين والطلاب لخوض تجربة التعليم الإلكتروني، بدليل أن الكثير من الأهل لا يجيدون اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، إضافة على عدم قدرة الكثير منهم على مراقبة التعليم الإلكتروني في منازلهم لغيابهم عن المنزل لفترات طويلة يوميا بدافع العمل والوظيفة مثلاً.
3- الفقر الذي يعاني منه الكثير من الأهل والطلاب، إن إن نسبة كبيرة من الطلاب لا تملك الأجهزة اللازمة مثل الأجهزة اللوحية أو أجهزة الكمبيوتر، ولا قدرة لأهاليهم على شرائها لهم.
حلول مقترحة
وإزاء هذا الواقع يقترح الخوري مجموعة من الحلول لإنجاح تجربة التعليم عن بُعد في لبنان وهي:
1- المباشرة بسن قوانين حديثة خاصة بالتعليم الإلكتروني تعالج جميع الثغرات والمشاكل التي يمكن أن تواجه هذه المنظومة
2- تأمين التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت
3- تطوير المناهج كي تصبح منسجمة مع التعليم الإلكتروني، وتوفير الأجهزة اللوحية والكمبيوتر بسعر تشجيعي للطلاب والأساتذة في المدارس والجامعات.
4- إطلاق منصة وطنية تكون متاحة لكافة المؤسسات التربوية والتعليمية، وهذا ما يساهم بخفض التكاليف.
5- تعليم واسع وشامل للمعلمين على التعامل مع البيئة الإلكترونية، لأن هذه البيئة مختلفة نفسيا وأكاديميا عن بيئة التعليم التقليدي، تزامناً مع تدريب الأهل على المبادئ الأساسية للتعليم عن بُعد.