أمريكا المنقسمة خطر على العالم.. أوكرانيا خير مثال
شكلت العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا صدمة بدرجة ما للجميع، رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وأعضاء إدارته كانوا يتوقعونها، وتحدثوا عنها عدة مرات.
فحتى هؤلاء الذين توقعوا العملية العسكرية لم يصدقوا أنها ستحدث. والآن وقد حدثت، وبدأت تداعياتها تنكمش، وتتسع الفجوة بين تصور أمريكا للعالم والواقع الفعلي بشدة بحسب المحلل البريطاني كلايف كروك.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، قال كروك، نائب رئيس تحرير مجلة إيكونوميست البريطانية لنحو 12 عاما، إن هذه الفجوة بين الواقع وتصورات أمريكا للعالم، كافية لكي تجعل المرء يتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة المنقسمة تحارب من أجل القضايا الخطأ.
ويرى كروك كاتب العمود السابق في صحيفة فاينانشيال تايمز أنه لو كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أكثر ثقة وتماسكا مع بعضهم البعض، لتردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العملية العسكرية. لكن الولايات المتحدة لا تبدو اليوم منقسمة، وإنما مشتتة.
فالحرب الأهلية الثقافية الناشبة في المجتمع الأمريكي حاليا شتتت الانتباه الأمريكي عن قضايا حيوية مثل التجارة والأمن القومي والسياسة الاقتصادية والتي أصبحت ذات أهمية كبرى.
في المقابل، يمكن القول بدقة أكبر إن ما يأمله بوتين من هذه الحرب ليس واضحا. وقد يكون فوجئ بقوة المقاومة الشعبية لهذه العملية العسكرية الروسية.
وبقدر من الحظ يمكن اعتبار العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا في وقت لاحق مجرد خطأ فادح. ورغم ذلك هناك أمر واحد واضح في اللحظة الراهنة وهو شكواه مما فعلته الولايات المتحدة والغرب مع بلاده تعتبر قوة دفع.
فالرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يقترب تدريجيا من بوتين يرى أن كرامته أيضا على المحك عندما يتعامل مع الغرب المتآمر الذي يمارس القمع على الآخرين تاريخيا.
والآن يمكن القول إن الرئيس الأمريكي يقول لنفسه حاليا إن اثنتين من أكبر القوى النووية في العالم وهما روسيا والصين تنظران إلى أوروبا والولايات المتحدة ليس فقط باعتبارهما غير صديقين ولا حتى منافسين وإنما باعتبارهما عدوين حقيقيين أو محتملين.
معنى هذا أنه وبعد ثلاثة عقود من انهيار الاتحاد السوفيتي وتبني الصين لاقتصاد السوق بسمات الحكم الشمولي، فإن العالم أصبح مكانا أشد خطورة.
ومن المحتمل أن تزداد خطورة العالم خلال الأسابيع والشهور المقبلة. فالغرب الذي لم يكن يريد الحديث عن مستقبل أوكرانيا باعتبارها دولة غير منحازة لا لروسيا ولا للغرب. وقبل أسابيع قليلة مضت كانت السيادة تنتصر على المدافع. لكن مستقبل أوكرانيا الآن قد يخضع لروسيا، مع وجود قوات روسيا على طول الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في حين يفكر بوتين في خطواته التالية.
في الوقت نفسه ستكون هذه التطورات مهمة بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ وهو يدرس الاهتمام والإنفاق العسكري لكل من الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك مستقبل تايوان.
ويقول كروك إنه في ظل عالم أصبحت القوة الغاشمة فيه مهمة لإدارة شؤون الدول، تصبح الحكمة، هي الحديث المرن مع حمل عصا غليظة. فالحديث بلغة مرنة أمر مهم، لأن محاولة إذلال الخصوم الذين يمتلكون قدرات عسكرية كبيرة، تجعلهم أكثر خطورة. في الوقت نفسه فإن حمل العصا الغليظة من خلال ضمان امتلاك القدرة على مواجهة القوة بقوة أكبر تجعل هؤلاء الخصوم أقل خطورة. وليس من قبيل المبالغة القول إن الغرب بعد الحرب الباردة كان يتحدث بلغة شديدة القوة دون أن يمتلك العصا الغليظة، وهو ما أسفر في النهاية عن العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا الآن.
ومع ذلك يرى كلايف كروك أن القدرة الحالية المفاجئة على تصديق ما نعرفه عن العالم الآن، قد لا تدوم، وبالتالي نشعر بالدهشة عندما تهاجم الصين تايوان مثل.
لكن إذا استمرت هذه الرؤية للعالم، فإنها تستدعي التعامل مع العلاقات الدولية بنهج مختلف. ويجب زيادة الاهتمام بقضايا الأمن القومي وتخصيص المزيد من الموارد لها في الولايات المتحدة التي كانت تأمل في تقليص هذه المخصصات من خلال التحرر من التزاماتها تجاه أوروبا. كما أن التحدي أكبر بالنسبة لأوروبا، فهي ستحتاج إلى التعامل مع أسئلة تواجهها لأول مرة في الذاكرة الحية للأجيال الحالية من الأوروبيين.
والحقيقة أن التداعيات لا تنحصر في ضرورة زيادة الإنفاق العسكري ولا مناقشة مدى ملاءمة حلف الناتو لأهدافه. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يحتاجون إلى التفكير في نتائج قابلة للتحقيق بالسؤال عن أهداف السياسة الخارجية التي لا يتم تناولها بلغة مرنة، وفي الوسائل المتاحة بالسؤال عن حجم القوة المطلوب امتلاكها.
كما ستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إعادة التفكير في العلاقات الاقتصادية العالمية. فألمانيا وأوروبا كلها ارتكبت خطأ كبيرا عندما اعتمدت بشدة على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي. ومن وجهة نظر بوتين فالأمر لم يكن مصادفة. فقد كان يرى أن هذا الاعتماد سيحد من قدرة الغرب على التصدي لطموحاته، وهو ما حدث على الأقل حتى الآن. في الوقت نفسه فإن الغرب يعتمد على التصنيع الصيني ليس فقط في السلع الاستهلاكية إنما في مستلزمات إنتاج حيوية وهو ما يعد تكرارا لخطأ الاعتماد على الغاز الروسي.
فإذا كان الأمر بالنسبة للغرب مجرد اقتصاد وتجارة، فإنه ليس كذلك بالنسبة للصين التي تحقق رخاءها وفي الوقت نفسه تخدم هدفها الجوسياسي الأكبر.
ومعنى هذا كما يرى كروك هو أن الاعتماد على أعداء محتملين للحصول على خامات أو سلع أساسية خطأ. والبديل ليس تحقيق الاكتفاء الذاتي حتى لو كان ذلك ممكنا، وإنما البديل هو وجود تصور استراتيجي أكثر مرونة وزيادة التعاون الاقتصادي مع الحلفاء والأصدقاء.
aXA6IDMuMTM3LjIxOS42OCA= جزيرة ام اند امز