هل تقوض الحرب في أوكرانيا حكم بوتين؟
أمام موقف جماعي غير مسبوق في أوروبا والولايات المتحدة، اختار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التصعيد في أوكرانيا.
يأتي ذلك وسط فرض عقوبات متتابعة ربما تؤثر بشكل واضح على الحياة اليومية للشعب الروسي، ليبقى التساؤل.. إلى متى يستطيع بوتين الصمود؟
وتقول مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية في تقرير نشرته بهذا الشأن إن العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تثير تساؤلا أساسيا حول ما إذا كان الرئيس الروسي سيُبقي على سعيه لتحقيق الأهداف القصوى التي تشمل على ما يبدو تغيير النظام في كييف.
وتضيف المجلة أن هناك متغيرات هامة تساعد المراقب على فهم القرار الأولي للعملية فضلا عن تقييم تصميم بوتين وقدرته على البقاء على المسار. ورغم أن شخصية بوتين ونظرته للعالم تتسمان بأهمية كبرى، فإن آراء ومواقف النخب الروسية والجماهير العامة في روسيا تشكل أيضا عوامل مهمة.
وتوضح أن العوامل المؤثرة في قرار بوتين ضد أوكرانيا تضرب بجذورها في شكواه من أن انهيار الاتحاد السوفيتي أدى إلى فقدان النفوذ العالمي والإقليمي لروسيا فضلا عن انتشار الفوضى الداخلية.
وندد بوتين بالولايات المتحدة منذ فترة طويلة لمحاولتها عرقلة استعادة روسيا لوضعها كقوة عظمى . فهو ينظر إلى التوسع الغربي في الفضاء السوفيتي السابق باعتباره تهديدا خطيرا للمصالح والقيم الأساسية لروسيا، بما في ذلك استقرار كل من الدولة والنظام، وهما مفهومان مختلفان تماما، يبدو أنه دمجهما معا في فهمه للأمن القومي الروسي.
ويرى بوتين في التحرك التدريجي لوقف اتجاه أوكرانيا خارج مدار روسيا ونحو الغرب الديمقراطي ليس فقط كارثة جيو استراتيجية، بل إنه يشكل تهديدا لحكمه وإنكارا للهوية التاريخية لروسيا.
وعززت العوامل الظرفية في شكل التكاليف المتوقعة للحرب قرار بوتين باستخدام القوة. والمفارقة أن بوتين يعتقد أنه في حين يشكل الغرب تهديدا قويا، إلا أنه أصبح ضعيفا أيضا على نحو متزايد بسبب تراجع ثقافته السياسية، والفوضى المزمنة في مؤسساته الديمقراطية وصعود الصين، وتراجع أمريكا الواضح عن المواقف العالمية.
كما أن عزم بوتين مدعوم بتحديثه للقوات المسلحة الروسية وعلاقات موسكو الوثيقة مع بكين. ولعل أهم مصدر لعزمه هو تقييمه للمخاطر والفوائد السياسية الداخلية المرتبطة بالحرب ضد أوكرانيا.
وتقول المجلة الأمريكية إنه من المرجح أن يعتبر بوتين التكاليف منخفضة بسبب قدرة النظام السياسي الذي أنشأه وتسيطر عليه إلى حد كبير النخب ذات التفكير المماثل، وخاصة ما يسمى بالسيلوفيكي (الرجال الأقوياء) الذين تربطهم علاقات حالية أو سابقة بأجهزة الأمن والقوات المسلحة.
وتضيف أن سياسات بوتين الخارجية والداخلية متشابكة مع تفضيلات "السيلوفيكى". وقد ربطا معا الوطنية والإيمان الأرثوذكسي وأسهما فيهما كدعم رئيسي لأيديولوجية معادية للغرب ولا سيما الولايات المتحدة.
ومع وجود دائرة داخلية يهيمن عليها بالفعل أعضاء بارزون في السيلوفيكي، قد يصبح بوتين أكثر اعتمادا على هذه المجموعة في الوقت الذي ينتهج فيه سياسة خارجية محفوفة بالمخاطر مع زيادة تشديد الضوابط السياسية الداخلية. وهذه المجموعة من الرجال الأقوياء هي أكثر التزاما بكثير من المجموعات الأخرى من النخب بالحفاظ على النظام العام "بأي ثمن"، وهو ما يفترض أنه سيشمل إبقاء بوتين في السلطة بأي ثمن.
وبالمقارنة مع النخب الروسية، تشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أن معظم السكان الروس لا يؤيدون سياسة خارجية توسعية تذكرهم بالعصر السوفيتي.
وتؤكد استطلاعات الرأي في عام 2021 أن معظم الروس والأوكرانيين لديهم مواقف إيجابية تجاه بعضهم البعض كأفراد وأن غالبية الروس، على عكس بوتين، يقبلون أوكرانيا كدولة مستقلة، وتؤكد استطلاعات أخرى معارضة معظم الروس للعمل العسكري ضد أوكرانيا.
وتعكس هذه المواقف القلق واسع النطاق من أن كلا من الروس العرقيين والأوكرانيين العرقيين، الذين يشتركون في قرون من العلاقات بين الزيجات، فضلا عن الروابط السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، يمكن أن يعانوا ويهلكوا بأعداد كبيرة في الحرب.
لقد أدرك المشاركون في استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الحرب أن أوكرانيا ستكون مستعدة بشكل أفضل للهجوم اليوم مقارنة بما كانت عليه في عام 2014 عندما تم ضم شبه جزيرة القرم ويمكن أن تلحق خسائر فادحة بالقوات الروسية حتى في الهزيمة.
إن مثل هذه الصور المنتشرة الآن على شبكة الإنترنت وفي وسائل الإعلام الأجنبية لم تقيد بوتين. ومع ذلك، فقد حفزت بالفعل الاحتجاجات المناهضة للحرب في روسيا، ومن المرجح أن يكون لها تأثير مستمر على الرأي والسلوك السياسي الروسي.
وعلى النقيض من ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، والذي كان يحظى بشعبية كبيرة في روسيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض تكلفته في الدم والمال، فمن المرجح أن تؤدي العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا إلى خسائر كبيرة في عدد الضحايا.
كما يهتم العديد من الروس بسلامة السكان الأوكرانيين. ومن المرجح أن تخلق العقوبات الغربية الأقوى من أي وقت مضى ضائقة واسعة النطاق من خلال إلحاق الضرر بجوانب كثيرة من الاقتصاد الروسي.
وتقول المجلة إن القلق بشأن هذه المخاطر فضلا عن المستقبل الغامض لروسيا يضعف أو يمنع الدعم الروسي للعملية العسكرية بين النخب والجماهير العامة على الرغم من الجهود المتزايدة التي تبذلها وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين لتشكيل الرأي العام.
إن اعتماد الكرملين منذ فترة طويلة على روايات التهديدات الخارجية والمحلية لحشد الدعم السياسي أو على الأقل ضمان الطاعة العامة أصبح الآن استراتيجية منقوصة إلى حد كبير.
وتختتم "ناشيونال إنتريست" بالقول إنه مع ذلك، سوف يتردد بوتين في تغيير مساره ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع تكاليف السمعة في الداخل والخارج للتراجع.
كما أن المعارضة العامة القائمة على المظالم السياسية والاقتصادية التي يخلقها العدوان على أوكرانيا أو يكشف عنها سوف تزداد ولكنها لا تزال تواجه القدرة القمعية للدولة المتجذرة في القوة السياسية غير المتكافئة لمختلف النخب.
وإذا لم يتنازل السيلوفيكي كمجموعة (والنخب المنحازة) عن دعمهم لبوتين، فينبغي على النظام أن يبقى على قيد الحياة من خلال تنظيم سياسي أكبر. وسيعتمد الكثير على الطريقة التي ينظر بها السيلوفيكي بشكل جماعي إلى التكاليف والفوائد المختلفة للحرب.
aXA6IDMuMTM3LjE2Mi4yMSA= جزيرة ام اند امز