روسيا وأوكرانيا.. حرب في أقصى الشرق تلقي بظلالها على المغرب العربي
إن كانت الحرب الروسية الأوكرانية محدودة جغرافيا، فإن تداعياتها تفوق ذلك، لتؤثر كثيراً على دول ومناطق أخرى، تمتد حتى المغرب العربي.
وفي هذا الصدد، أوضح خبراء في العلاقات الدولية، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، أن الحرب الروسية الأوكرانية لها امتدادات لا تقتصر على الفضاء الأوروبي والعلاقات بين الغرب والشرق. بل تصل حتى المغرب، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، وما يعرفه من إقبال على مجموعة من المواد التي تستوردها البلاد من المنطقة.
أسعار
حسن بلوان، الخبير في العلاقات الدولية، أكد لـ"العين الإخبارية"، أن التأثيرات السلبية للحرب على الداخل المغربي، ظهرت قبل بدايته.
وأوضح أن أول هذه التداعيات، الارتفاع الكبير في أسعار المواد البترولية في العالم، الشيء الذي انعكس بشكل مباشر على أسعارها في المغرب، والتي بلغت حدوداً غير مسبوقة، خاصة مع سياسة رفع الدعم العمومي التي نهجتها حكومة عبد الإله ابن كيران عام 2013.
ولفت بلوان إلى أن المغرب يستورد كميات مهمة من المواد الأساسية من أوكرانيا، والتي يأتي القمح على رأسها، ما يجعل الحرب تؤثر بشكل مباشر على هذه الواردات، خاصة في موجة الجفاف التي تعرفها المملكة في الآونة الأخيرة.
وشدد على أن الحبوب التي يستوردها المغرب من أوكرانيا تمثل 12 في المائة من وارداته الإجمالية من الحبوب.
وخلص إلى أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا سيكون له تأثير على مستوى الأسعار، خاصة في ما يتعلق بالنفط والقمح”.
وشدد على أنه بالرغم من ذلك، فالحكومة المغربية اتخذت جملة من الإجراءات لضمان تموين جيد للسوق المغربية، إضافة إلى تعهدها بتحمل مسؤولية ارتفاع بعض الأسعار الخاصة بمواد استهلاكية استراتيجية.
وساق في هذا الصدد، المجهودات الحكومية التي قامت بها خلال شهر يناير / كانون الأول المنصرم، على مستوى دعم مادة القمح اللين، عبر ما يفوق 6 مليارات دولار أمريكي.
مزود استراتيجي
من جهته، أكد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور تاج الدين الحسيني، أن هذه الحرب وإن كانت محدودة على المستوى الجغرافي، إلا أنها تؤثر بقوة على بلدان جنوب المتوسط وبالخصوص البلدان التي تستفيد من واردات مهمة من القمح من كل روسيا وأوكرانيا.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن روسيا هي أول مصدر للقمح في العالم، وكذلك الشأن بالنسبة لأوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة عالميا، كما أن أوروبا تتزود بـ40 في المائة من الغاز من روسيا، عكس دول أفريقيا.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية، إلى أنه مع هذه الأزمة قد تتوقف هذه الإمدادات الخاصة بالغاز إما بقرار أوروبي أو بمحاولة روسية لمعاقبة الأطراف التي تشارك في الحملة ضدها.
وأضاف أن هذا الأمر يفتح المجال لبلدان أخرى لتكون مصدرا لتزويد أوروبا بنفط والغاز، هذا الأخير الذي يخلق مشكلة بسبب احتياجه إلى أنابيب لتوصيله مباشرة للأسواق الأوروبية.
وبالحديث عن تخلي الولايات المتحدة عن أوكرانيا أو بعض الدول الأخرى في حالة الأزمة، أبرز الحسيني أن هذا الأمر "أصبح شيء معروف، لأن نوع من السياسة الواقعية "البراغماتية" التي تتبعها أمريكا تفترض أن مصلحتها فوق كل اعتبار".
كما أن الحكومة الأمريكية الحالية، تعتبر أن الانسحاب من الجبهات القتالية أمر حيوي بالنسبة للولايات المتحدة، بالرغم من أن انسحابها من أفغانستان أدى إلى عودة "طالبان"، كما انسحابها من الشرق الوسط قد يؤدي إلى كوارث في العراق وعدة مناطق أخرى.
اكتفاء بعقوبات
وأضاف المتتبع للشأن الدولي، أن الغرب عموما قرر ألا يتدخل إطلاقا في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وقرر الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية فقط.
من جهة أخرى، أشار إلى أن الوضعية الدولية الحالية لن تصل إلى تحالفات مركزية على الصعيد الجهوي، مضيفا أن "الجزائر مثلا محكوما عليها أن تنضم إلى روسيا بينما المغرب هو شريك استراتيجي لأمريكا خارج حلف شمال الأطلسي".
وأبرز أستاذ العلاقات الدولية، أن للمغرب حوارا استراتيجيا مستمرا مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه يشارك معها في مناورات الأسد الأفريقي التي تم توسيعها بشكل كبير في الصحراء المغربية.
وأكد الحسيني، أن "التحول الذي يمكن أن يقع في حال حدوثه أصلا "لن يخرج عن السياق التاريخي بين توابع الدول سواء للمعسكر الشرقي بقيادة روسيا، أو الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية".