"فخامة المدرب" بلماضي.. رياضي جمع ما فرقته السياسة في الجزائر
بات جمال بلماضي مدرب منتخب الجزائر أكثر شخصية يجتمع حولها الجزائريون خلال الفترة الأخيرة محققا ما عجز عنه السياسيون في وقت وجيز.
جمال بلماضي، الذي يقود المنتخب الجزائري لكرة القدم، أكثر الرياضات شهرة ومتابعة في هذا البلد العربي، تعدى دوره في الرياضة والتدريب منذ توليه مهمته في أغسطس/آب 2018، وبات موحدا للشعب بكل أطيافه، مما استحق معه لقب "فخامة المدرب" من قبل بعض الجماهير.
ويقول بعض المتابعين إنه لا يمكن الحديث عن بلماضي الرياضي فقط دون ربط إنجازاته بإخفاقات بعض القادة السياسيين في الجزائر.
- نصيحة إنجليزية.. ريال مدريد أفضل لمحمد صلاح من برشلونة
- بايرن ميونيخ وليفاندوفسكي.. دليل هالاند للرحيل إلى ريال مدريد
وبرز هذا الاسم الكروي مع أخطر أزمة سياسية مرت بها الجزائر في 2019، ومع حراك شعبي طالب بالتغيير الجذري، بحثا عن حاضر ومستقبل تقل فيه الإخفاقات والنكسات، وتعود فيه هيبة بلد بحجم قارة في كل المجالات.
فكان جمال بلماضي ذلك النور الذي اقتحم ظلام السياسة وطلاسمها، وحقق ما عجز عنه سابقون على رأس محاربي الصحراء، مخرجا الفرحة من بركان الغضب الذي عم شوارع الجزائر في صيف 2019.
لم يعد منذ ذلك الوقت جمال بلماضي مجرد مدرب لمنتخب كرة القدم بالجزائر، بل أصبح قائدا ملهما يقول الجزائريون إنهم يتمنون قائدا مثله في مناصب السياسة المختلفة، سواء في قوة شخصيته أو وفائه وتضحيته من أجل تشريف بلده، ووفائه بوعوده، وقلة كلامه وكثرة ونوعية أفعاله.
وفي ظرف عامين فقط، استطاع جمال بلماضي أن يصبح أكثر شخصية يلتم حولها الجزائريون، لا يجرؤ أي منهم على البحث عن سلبيات عمله، بل لا يختلف جزائريان حتى من لا يتابع كرة القدم على تقديره واعتباره "النموذج النادر للقائد الحقيقي الذي افتقدته الجزائر".
من الجماهير الجزائرية من يقارن الكاريزما الخاصة والقوية التي يمتلكها بلماضي وإنجازاته الاستثنائية بشخصيات سياسية لم تتكرر في المشهد السياسي الجزائري، أبرزها الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978)، وقائد أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح (2004 – 2019).
وفي هذا التقرير، تسرد "العين الرياضية" قصة تعلق الجزائريين بمدرب "عشقهم الأول" منتخب كرة القدم، الذي يُنسيهم همومهم ويصنع فرحتهم ويؤجل خلافاتهم.
ثورة بلماضي الرياضية
تولى جمال بلماضي دفة العارضة الفنية للمنتخب الجزائري الأول في أغسطس 2018، ولم يكن حينها "الخيار المفضل" للاتحادية الجزائرية لكرة القدم، التي كانت تبحث عن "اسم عالمي" بين قائمة من 4 أسماء "أجنبية" كان فيها بلماضي "آخر الخيارات".
لم يكن يعلم خير الدين زطشي رئيس الاتحاد الجزائري أن العالمية التي كان يبحث عنها سيجدها في اسم المدرب المحلي، الذي لم يُعد فقط أمجاد الكرة الجزائرية، بل صنع لها مجدا آخر، يصعب على أي مدرب آخر تحقيقه.
زمن بلماضي الذي جاء فيه كان استثنائياً بكل المقاييس، فقد تولى قيادة منتخب محاربي الصحراء بعد سلسلة إخفاقات ونكسات وهزائم لم يسبق لها مثيل في تاريخه، مع مدرب إسباني مغمور اسمه لوكاس ألكاراز، ومع ابن المنتخب ذاته ونجمه التاريخي رابح ماجر، الذي لم يكن اسمه على مسمى وهو يشرف على تدريب المنتخب، رغم كل النجوم اللامعة التي كانت معه.
جاء بلماضي بشروطه لإتمام مهمة تشريف الكرة الجزائرية، وهو الذي ظهر عارفاً بخبايا كواليسها، رغم أن معظم مشواره الكروي والتدريبي كان بعيدا عن بلده الأم الجزائر.
لم تجد اتحادية زطشي إلا الرضوخ لقوة شخصية جمال بلماضي، ليخرجها من ورطة غضب الجماهير التي كانت متعطشة حينها حتى لتعادل مع أي منتخب.
تبين من مباراة لأخرى خاضها وقادها جمال بلماضي مع كتيبة رياض محرز، نجم مانشستر سيتي الإنجليزي الحالي، أن هدفه أبعد من التعادل وحتى الفوز الظرفي، حيث خطط لاكتساح القارة الأفريقية، والانتقال بمحاربي الصحراء إلى واحد من أبرز المنتخبات العالمية.
في ظرف عامين، تمكن جمال بلماضي من صناعة منتخب يحسب له ألف حساب، وضعه بين كبار منتخبات العالم، بعد أن حقق إنجازات تاريخية لم يكتبها أي مدرب سابق لذات المنتخب الجزائري.
تمكن بلماضي مع كتيبة محاربي الصحراء من "كسر نحس" الفوز بكأس أمم أفريقيا، وعاد للجزائر بالنجمة الثانية باستقبال شعبي اقشعرت له الأبدان، بعد مباريات وصفها المحللون بـ"المعارك" التي خاضها الخضر على أرض مصر أم الدنيا.
كانت مصر فأل خير على بلماضي ومنتخب الجزائر، عندما استعاد محاربو الصحراء لقب أمم أفريقيا بعد 29 عاماً، وخاض خلال البطولة مباريات مثيرة لم يسجل فيها هزيمة واحدة، مما خلط حسابات وتكهنات معظم المحللين والرياضيين.
واصل بلماضي "تحقيق ما كان مستحيلا" في قواميس المدربين السابقين، وتبين أن المستحيل فعل محرم في طموحات بلماضي، فقاد المنتخب الجزائري طوال 22 مباراة دون هزيمة واحدة.
جمعة الغضب والفرح
تزامن نهائي كأس أمم أفريقيا الذي جرى بمصر في 20 يوليو/ تموز 2019 مع يوم الجمعة، وهو اليوم الذي كان يخرج فيه ملايين الجزائريين من كل أسبوع في مظاهرات حاشدة مطالبة بالتغيير الجذري ومحاسبة رموز نظام بوتفليقة.
كان الشارع الجزائري يعيش حينها حالة غير مسبوقة من "الثورية"، والإصرار على التغيير ورفض العودة إلى سنوات الخيبات.
"العين الرياضية" كانت شاهدة في ذلك اليوم على حالة فريدة من نوعها بالشارع الجزائري، لم نفهم إن كان الجزائريون في تلك الجمعة قبل ساعات من مباراة الحسم مع منتخب السنغال في حالة غضب أم فرحة، بل اختلطت علينا تغطية الشأن السياسي بالرياضي، ولم نفهم إنا كنا وسط مسيرة سياسية أم احتفالات رياضية.
الشعارات واللافتات ذاتها المطالبة برحيل جميع رموز النظام الجزائري السابق، وعلى رأسهم "الباءات الثلاث"، في إشارة إلى أسماء الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الدستوري.
لم يكن "بلماضي" حينها في تلك القائمة، بل كان الباء الوحيدة التي صنعت الاستثناء، أو لنقل كان الباء الشابة بين الباءات المسنة، حيث هتفت الجماهير برحيل "3 باءات" وبحياة "باء واحدة" في توقيت واحد وشارع ومنطقة واحدة.
مشهد كان صعباً وصفه أو حتى فهمه، شارع ثائر ضد فريق السياسيين، ومستبق لنصر رياضي طال انتظاره، وجدنا صعوبة حينها في أن نستوعب إن كانت تلك الملايين من الجزائريين خرجت للتظاهر أم الاحتفال، وهل كانت تلك مظاهرة سياسية أم ملعباً في الشوارع.
اختلطت هتافات المطالب السياسية مع أهازيج وأغاني الرياضة التي ترددها الجماهير الجزائرية لتشجيع منتخب بلادها أو فرقها المحلية المفضلة، كان فيها العلم الجزائري بألوانه الأخضر والأحمر والأبيض "المؤكد الوحيد" بين تلك التناقضات.
ما لم يُفهم في حينه فُهم بعد ساعات قليلة، كانت كلمة السر في ذلك المشهد الحماسي الشعبي مدربا اسمه "جمال بلماضي"، يقول الجزائريون إن فخامة اسمه تكفي لفهم سر تعلقهم به، حتى إن كثيرين قالوا إنه الوحيد الذي يستحق وصف "فخامة القائد" أو "فخامة المدرب".
فخامة المدرب
يقول المتابعون في الرياضة والسياسة، إن جمال بلماضي حقق ما حققه في زمن ليس ككل الأزمنة، أزمة سياسية واحتقان شعبي، وفقدان تام للثقة مع السلطة، ومشوار كروي لمنتخب كان مليئاً بالنجوم لكن نتائجه أخجلت الجزائريين لأكثر من 3 سنوات.
جاء بلماضي لينسي الجزائريين تلك الإخفاقات، بل وطمسها بإنجازات لم تصنع لهم فرحة غائبة، بل أعادت الأمل لـ45 مليون جزائري في أن التغيير الذي يرغبون فيه لبلدهم وخرجوا من أجله لا يزال متوفراً مع طاقات شبابية يكفي أن تُمنح لها فرصة المكان والزمان.
لم يعد الجزائريون كما يقولون ينظرون إلى بلماضي على أنه مجرد مدرب لمحاربي الصحراء، بل شخصية توافرت فيها كل شروط القيادة والنجاح، حتى إن كثيرين طالبوه بالترشح لانتخابات الرئاسة التي جرت نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019.
بالمختصر، تمكن مدرب محاربي الصحراء جمال بلماضي "في وقت وجيز من إحراج السياسيين بمختلف مشاربهم وتوجههاتهم، وحقق الإجماع الشعبي بدون لغة خشب أو خطب شعبوية أو وعود زائفة، وكان ولاؤه الوحيد لوطنه وهدفه الأوحد تشريف ألوان علمه.
ومنح المدرب الوطني الفرصة في كتيبته لمن يستحق من اللاعبين بدون واسطة أو جهوية أو حسابات شخصية ضيقة، أو هكذا يتفق الجزائريون على وصف بلماضي، وهم يتحدثون عنه بفخر قل نظيره عن شخصية تربعت على القلوب قبل الملاعب.