تخزين البيانات في الحمض النووي.. تقنية ثورية تُنهي عصر «الهارديسك»
على مدار سنوات طويلة، طور علماء التكنولوجيا وسائل متطورة لتخزين البيانات، لكنها ظلت محصورة في "الحالة الصلبة"، حيث "القرص الصلب" أو الهارديسك، هو المكان الأشهر للتخزين، بينما يبشر العلم بثورة جديدة في التخزين بـ"الحالة السائلة" ضمن تقنية الحمض النووي.
وأضحت الحاجة ملحة لتقنية ثورية جديدة لتخزين البيانات، في ظل الصعود الرهيب لكمية البيانات، بالتوازي مع الارتفاع القياسي لتكلفة الحفاظ على تلك البيانات خاصة على صعيد الطاقة المستهلكة في مراكز البيانات العالمية.
ولذلك، طور العلماء تقنية جديدة تستخدم الشفرة الوراثية للحمض النووي (أو ما يسمى لغة الحمض النووي) لتخزين البيانات، وهو ما يعتبر حلا قويا لتخزين الكميات المتزايدة من المعلومات الرقمية، بتكلفة أقل وبشكل مستدام.
فعلى محركات الأقراص الصلبة، نستخدم الصفر والواحد لتمثيل البيانات. في حين يستخدم الحمض النووي أربع قواعد كيميائية (A وT وC وG)، مترابطة معًا، لكن كلا النظامين يمكنهما تخزين ترتيبات معقدة لا نهاية لها من المعلومات.
ملايين البيانات في "غرام" واحد
وبحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز"، يُنظر الآن إلى تقنية الحمض النووي لتخزين البيانات باعتبارها حلا محتملاً للاقتصادات المعتمدة على البيانات لما تتمتع به من استقرار عند الاستخدام، حيث يمكن لغرام واحد من الحمض النووي تخزين ما يعادل حوالي 10 ملايين ساعة من الفيديو عالي الدقة نظريًا.
والآن استخدم باحثون من مؤسسات أمريكية وصينية وألمانية تفاعلًا كيميائيًا بسيطًا لمحاكاة النظام الثنائي للغة أجهزة الكمبيوتر التقليدية، مما يتيح طباعة المعلومات على الحمض النووي بدقة جيدة وأسرع بكثير من الطرق التقليدية.
وقال لونج تشيان، أحد المشاركين في هذا الاكتشاف، إن التكنولوجيا الجديدة الواعدة، التي تم الكشف عنها في ورقة بحثية في مجلة Nature يوم أمس الأربعاء، من شأنها أن تسمح بتخزين البيانات داخل الحمض النووي، وتوفير ضغطًا أقل على الكهرباء والموارد الأخرى.
وقال تشيان، الباحث في مركز البيولوجيا الكمية في جامعة بكين الصينية، "إن تقنيات تخزين البيانات الحالية ببساطة لا تستطيع تحمل تكاليف تخزين وحفظ الكميات الهائلة من البيانات التي نجمعها وننتجها كل يوم".
وأضاف "إذا كان من المقرر تخزين البيانات لأكثر من 50 عامًا فإن الحفاظ على البيانات في الحمض النووي الصناعي سيكون أرخص من استخدام محركات الأقراص الصلبة وصيانتها".
وكانت المحاولات السابقة لحفظ المعلومات على الشفرة الوراثية الاصطناعية تستغرق وقتًا طويلاً ومكلفة وعرضة للأخطاء.
ما بعد "الحمض النووي الصناعي"
لكن في هذا المشروع، استغل العلماء عملية كيميائية طبيعية تُعرف باسم "المثيلة" لتعديل الكتل البيولوجية في الحمض النووي المعروفة باسم "القواعد".
و"القواعد" في الحمض النووي إما أن تكون مثيلية أو غير مثيلية، وذلك منح العلماء حالتين محتملتين لتشفير المعلومات.
وخلال تجربة أولى للابتكار الجديد، استخدم الباحثون التقنية الجديدة لتخزين صور مثل صورة ملونة لباندا ومنحوتة لنمر تم صنعها خلال سلالة هان الصينية.
وقدر الباحثون أن تقنية التخزين الجديدة قد تكون أسرع بنحو 10 آلاف مرة من الطرق الحالية وبتكلفة ضئيلة للغاية.
وقال نيك غولدمان، كبير العلماء في المعهد الأوروبي للمعلومات الحيوية "إن عملية التخزين الجديدة للبيانات تشبه إلى حد كبير عملية الطباعة، وليست كرسم وتتبع الأثر بفتات الخبز".
حل لأزمة الطاقة
وبفضل الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، أصبحت كمية البيانات التي يتم إنشاؤها سنويًا تصل الآن إلى زيتابايت، أو تريليونات الغيغابايت. وهذا يزيد من الضغط على سعة التخزين الرقمية، فضلاً عن تأجيج الطلب الهائل على الكهرباء من مراكز البيانات العالمية.
وتسعى بعض الشركات مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت إلى صفقات توريد الطاقة النووية لتلبية احتياجاتها من الطاقة لتشغيل مراكز البيانات السحابية الضخمة.
ووفقًا لتعليق مصاحب نشر أيضًا في مجلة Nature ، فإن تقنية تخزين بيانات بالحمض النووي الجديدة لديها القدرة على تجاوز القيود الزمنية والتكلفة للطرق التقليدية، غير أنها للآن لاتزال تحتاج مزيدا من التطوير والبحث لتحقيق الكفاءة.
aXA6IDMuMTQ0LjI2LjIyMSA= جزيرة ام اند امز