توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب على نفط منظمة الأوبك وحدها نحو 28.9 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو مليون برميل يوميا
يثور تساؤل في السوق العالمي للنفط عما إذا كان اجتماع أطراف اتفاق أوبك+ المقبل الذي سيعقد على هامش اجتماع منظمة الأوبك نصف السنوي العادي في الخامس والسادس من شهر ديسمبر/كانون الأول القادم سيطرح تعميق خطة خفض الإنتاج أم سيترك الأمر على حاله الراهن؟ ومن المعروف أن الاتفاق الحالي يقضي بخفض مستوى إنتاج أعضاء التحالف بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا حتى نهاية شهر مارس/أذار 2020، منها تخفيض نحو 0.8 مليون برميل من إنتاج دول منظمة الأوبك، ونحو 0.4 مليون برميل من الدول الأخرى أعضاء التحالف. والتساؤل مبرر لأنه ليس من الواضح حتى الآن وفي ضوء التوقعات الخاصة بالعام المقبل، ما إذا كان السوق العالمي سيشهد فائض عرض كبيرا بحيث يؤدي إلى انخفاض ملموس في الأسعار، أم على العكس من ذلك قد تميل الظروف إلى وجود استقرار واضح في ظروف العرض والطلب مما يسمح فقط بتمديد العمل بسقف الإنتاج المتفق عليه.
يمكن القطع إذا كانت أوبك+ ستعمق خفض الإنتاج أم ستترك الأمور على حالها أم تمدد الخفض الحالي لمدة زمنية أطول، ولكن إذا ما حدث ووجد فائض عرض كبير فعلا وأثر بشكل واضح على مستوى المخزونات والأسعار، فمن المؤكد أن أطراف الاتفاق يمكن أن تأخذ في اعتبارها فكرة تعميق خفض الإنتاج.
فقد ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني أن منظمة الأوبك وحلفاءها فيما يعرف بأوبك+ سيواجهون منافسة شديدة خلال العام المقبل. إذ يتعرض تحالف أوبك+ لتراجع في الطلب على نفطه الخام تراجعا كبيرا. فتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن العرض العالمي خارج أوبك سيرتفع بنحو 2.3 مليون برميل يوميا، مقارنة بارتفاع يتوقع أن يبلغ نحو 1.8 مليون برميل يوميا فقط خلال العام الحالي. ويرجع ارتفاع الإنتاج في أغلبه إلى عدد محدود من الدول، يأتي على رأسها الولايات المتحدة والبرازيل والنرويج.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب على نفط منظمة الأوبك وحدها نحو 28.9 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو مليون برميل يوميا عن الطلب على نفط المنظمة خلال العام الحالي. ووفقا للوكالة فإن نمو الطلب على النفط خلال العام الحالي يقدر بنحو مليون برميل يوميا، ومن المقدر أن يرتفع نمو الطلب بنحو 1.2 مليون برميل يوميا خلال العام المقبل. وذكرت الوكالة أن تباطؤ نشاط شركات التكرير خلال الثلاثة أرباع الأولى من السنة تسببت في هبوط الطلب على النفط الخام لأول مرة منذ عام 2009، ومن المتوقع تعافي التكرير بشكل ملموس خلال الربع الرابع من العام وخلال عام 2020، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب خلال العام المقبل بأكثر من المقدر له خلال العام الحالي.
والواقع أن بعض الوقائع التي تضمنها تقرير الوكالة الدولية للطاقة تحتاج إلى بعض التعليق. فالطلب على نفط الأوبك هذا العام الذي تذكره الوكالة لا يأخذ في الاعتبار أن المملكة العربية السعودية تنتج في الحقيقة أقل مما يسمح لها سقف الإنتاج المتضمن داخل اتفاق أوبك+، فبينما من المسموح لها إنتاج 10.333 مليون برميل يوميا، نجد أن إنتاجها المطروح ضمن العرض العالمي لا يزيد على 9.890 ألف برميل يوميا مؤخرا وفي بعض الأحيان أقل من ذلك. وتلزم المملكة نفسها بإنتاج أقل من الحصة المقررة لها لأنها تحاول من جانبها الدفع نحو استقرار أكبر وأسرع في السوق العالمي للنفط، خاصة في ضوء زيادة بعض البلدان لإنتاجها فوق الحصص المقررة لها مثل العراق ونيجيريا ضمن منظمة الأوبك، وهو ما تفعله أيضا عدد من البلدان في تحالف أوبك+ التي يأتي على رأسها روسيا. وفي كل الأحوال، فالخفض في الإنتاج السعودي الذي يبلغ قرابة نصف مليون برميل يوميا يزيد على الارتفاع المقدر في إنتاج الدول الشريكة في تحالف أوبك+ سواء أكانت من دول منظمة الأوبك أم من الدول الأخرى خارج المنظمة.
الأمر الآخر المهم أن التقرير لا يأخذ في اعتباره على نحو كاف، إمكانية ارتفاع الطلب العالمي، خاصة خلال العام المقبل، إذا ما تم بالفعل التوصل إلى تهدئة الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فقد قدر صندوق النقد الدولي أن تخصم الحرب التجارية بين واشنطن وبكين نحو 0.8% من معدل النمو العالمي خلال العام المقبل، والتوصل إلى اتفاق لإنهاء هذه الحرب أو حتى تهدئتها لا بد أن ينعكس إيجابا على معدل نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي معدل نمو الطلب على النفط، ومن هنا سيكون معدل زيادة الطلب على النفط في هذه الحالة أكبر مما يورده تقرير وكالة الطاقة الدولية، أي أكثر من 1.2 مليون برميل يوميا.
الأمر الثالث هو أن هناك بعض الجهات ومن بينها منظمة الأوبك التي ترى أن الإنتاج لن يرتفع في الولايات المتحدة، خاصة من النفط الصخري، بنفس المستوى الذي ارتفع به في العام الحالي. وهناك البعض داخل الولايات المتحدة ذاتها الذي يتوقع وصول النفط الصخري إلى ذروة الإنتاج قريبا وسيبدأ الإنتاج بعدها في الانخفاض.
التعليقات السابقة على تقرير وكالة الطاقة الدولية تميل إلى تعزيز الرؤية الإيجابية لآفاق سوق النفط العالمي خلال العام المقبل وهو ما قد يعزز من الأسعار ولذلك فمجرد تمديد الالتزام باتفاق أوبك+ قد يكون كافيا للدفع نحو استقرار السوق، وربما ارتفاع أسعار برميل النفط ولو قليلا عن الأسعار السائدة حاليا. ومن الجدير بالذكر أن عددا من البلدان ضمن تحالف أوبك+ المهمة مثل روسيا وسلطنة عمان ترى أن أسعار النفط الحالية التي تدور حول 60 دولارا للبرميل من نوع خام برنت أسعار مناسبة، وقد عبر كبار المسئولين عن قطاع الطاقة في البلدين رسميا عن ذلك.
من ناحية أخرى، هناك بعض التطورات التي قد تدفع نحو رؤية أقل تفاؤلا أو حتى سلبية لأوضاع سوق النفط خلال العام المقبل. التطور الأول المهم في هذا الصدد هو إشارة البعض لتعثر التوصل لاتفاق بين واشنطن وبكين لحل النزاعات التجارية بينهما، على الرغم من التصريحات الإيجابية العديدة الصادرة عن جهات مسئولة في الطرفين. يضاف إلى ذلك أن الاتفاق المزمع التوصل إليه هو مجرد اتفاق مرحلة (1) كما تطلق عليه الإدارة الأمريكية، وهو اتفاق جزئي يمكن أن يمثل مجرد هدنة في الحرب التجارية ولا يكون اتفاقا لإنهاء هذه الحرب. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقبل بتخفيض الرسوم الجمركية التي فرضتها على السلع الصينية كما تطالب بكين بذلك، أم تعلق فقط الرسوم الجمركية الزائدة التي كانت قد فرضتها على هذه السلع؟ وعلى أية حال فحتى يتم التوصل لاتفاق واضح فانعكاس الاتفاق على معدل نمو الاقتصاد العالمي سيكون محل تقديرات متفاوتة، ويصعب القول إن تقدير صندوق النقد الدولي بانخفاض النمو العالمي بمقدار 0.8% سيبلغ الصفر، إذ يظل هذا المعدل متأثرا بالنزاعات التجارية خلال العام المقبل ولو عند حدود أقل من هذا التقدير.
التطور الثاني هو إشارة البعض إلى أن روسيا لن توافق على الأغلب على أي تعميق لخفض الإنتاج، وأنها ربما تكون في أفضل الظروف أكثر ميلا لتمديد العمل بخفض الإنتاج الراهن فقط.
التطور الثالث المهم المنتظر هو مستويات المخزون المتحققة لدى كبار المستهلكين، فلو استمرت هذه المخزونات في النمو خلال الأسابيع القادمة كما حدث خلال الأسابيع الأخيرة، فستدخل الدول المستهلكة العام الجديد ولديها مستويات كبيرة من المخزون وهو ما سيضغط على الطلب العالمي وبالتالي على الأسعار نحو الانخفاض. والمؤشر الواضح لدينا هو حجم المخزون لدى أكبر دولة مستهلكة للنفط الخام في عالمنا وهي الولايات المتحدة، فقد استمر هذه المخزون في الارتفاع خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة ليبلغ 450.4 مليون برميل، وهو ما يزيد على متوسط هذا المخزون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بنسبة 3%، كما أنه يزيد على نفس المستوى خلال هذا الوقت من العام الماضي بمقدار 3.5 مليون برميل.
لا يمكن القطع إذا بما إذا كانت أوبك+ ستعمق خفض الإنتاج أم ستترك الأمور على حالها أم تمدد الخفض الحالي لمدة زمنية أطول. ولكن إذا ما حدث ووجد فائض عرض كبير فعلا وأثر بشكل واضح على مستوى المخزونات والأسعار، فمن المؤكد أن أطراف الاتفاق يمكن أن تأخذ في اعتبارها فكرة تعميق خفض الإنتاج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة