رحلة مصري اقتحم عرين طالبان.. «ولادة» قوة جوية بأسلحة أمريكية
لم يكن المخرج المصري إبراهيم نشأت، يتخيل يوما أن الكاميرا ستقوده إلى ما كان يُعرف قبل 2021 بحقل ألغام، الخارج منه مولود والداخل مفقود.
في عام 2021، بعد أيام قليلة من انسحاب آخر الجنود الأمريكيين من أفغانستان، وصل صانع الأفلام المصري المولد إبراهيم نشأت، إلى ذلك المشهد.. إلى أيدي طالبان.
حينها، كان نشأت قد شاهد صورا وفيديوهات للمدنيين وهم يقتحمون مطار كابول الدولي في محاولة يائسة للفرار، وبعدها تمكن من الحصول على إذن للقدوم إلى أفغانستان.
وبعد الكثير من الإصرار، نجح المخرج المصري المقيم في ألمانيا، في الحصول على إذن بالبقاء في أفغانستان لمدة تصل إلى عام للتصوير بشكل أساسي مع قائد القوات الجوية المعين حديثا آنذاك، ملاوي منصور، إلى جانب ملازم شاب من طالبان، إم جي مختار، الذي يحلم في الفيلم بالانضمام إلى القوات الجوية ويتوق إلى الانتقام لنفسه من الأمريكيين.
يركز الفيلم على الحياة اليومية للرجال، ويقدم نظرة "خام وغير متهاونة" للطبقة الحاكمة الجديدة في أفغانستان، التي تسمح لنشأت بتصويرهم "على الرغم من عدم ثقتهم الواضحة".
من أفغانستان إلى هوليوود
وبأمر من منصور، أصبح نشأت مؤرخا غير متوقع لجانب بارز من تغيير النظام في أفغانستان. وكانت النتيجة "هوليوود جيت"، وهو فيلم وثائقي مدته 90 دقيقة سُمي على اسم القاعدة الأمريكية المترامية الأطراف في كابول، حيث أنشأت طالبان قوتها الجوية الجديدة.
وفي غضون سبعة أشهر قضاها في أفغانستان الجديدة وبمساعدة مترجم واحد فقط، صوّر نشأت 220 ساعة من اللقطات، ثم اختزلها لاحقا فريق من خمسة منتجين وتسعة مترجمين أفغان. بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
خلال تواجده في أفغانستان، تغلب نشأت على شكوك مستضيفيه، وتمكن في النهاية من الاختلاط باجتماعات طالبان وعمليات التفتيش والمهام العسكرية، وأصبح غير مرئي لدرجة أنهم نسوا الكاميرا.
داخل القاعدة
وفور دخوله القاعدة الجوية، بدأ نشأت يتفقد المكان وينبهر بحجم الموارد الأمريكية.
وبالنسبة لرجال منصور، فإن جدول اليوم هو إصلاح الطائرات، التي تم تعطيل العديد منها عمدا من قبل القوات الأمريكية المغادرة.
خارج الدائرة الضيقة التي سُمح له بالتصوير فيها، كان نشات أقل ترحيبا، وفقا لمقابلة أجرتها معه "فورين بوليسي".
ففي احتكاكاته الصامتة مع المدنيين الأفغان، كان يشعر بأنه متهم بنظراتهم الساخرة. وكان مقتنعا بأنهم ينظرون إليه باعتباره دعاية عربية، ومتلصصا جاء إلى أفغانستان ليرى ويحتفل بذكرى طالبان.
وعلى الرغم من القيود المفروضة عليه باعتباره من الخارج، تمكن المخرج المصري من إلقاء نظرة خاطفة على الحياة الأفغانية العادية.
وبعد أشهر من الصيانة والتدريب وإعادة التنظيم، حقق منصور ما أراده.
لكن قبل أن ينتهي من التصوير، نظمت حركة طالبان عرضا عسكريا للمشاة الزاحفة والمركبات المدرعة، وطائرات الهيلكوبتر من طراز "هيند" و"بلاك هوك" أمام المدرجات.
كان ذلك العرض، بمثابة عملية أولى ناجحة للقوات الجوية الجديدة لطالبان، حتى وإن كانت سرعة التحليق أعلى مما يرضي منصور.
المرأة والشوكولاتة
ورغم الإدارة الدقيقة من قِبَل مستضيفيه العسكريين، تمكن نشأت من التقاط لحظات مؤثرة في هوامش القصة الرئيسية.
فعند مناقشة مرسوم جديد يفرض على النساء تغطية وجوههن، تساءل منصور بصوت عالٍ عما إذا كانت القاعدة تتوافق بالفعل مع الشريعة الإسلامية، مما يكشف عن "افتقاره وجهله". بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
في نقطة أخرى، يذكر القائد العسكري أن زوجته طبيبة ولكنه منعها من ممارسة الطب بعد خطوبتهما.
من جانبه، يقارن مختار النساء بقطع الحلوى في حكاية رمزية: "المرأة المكشوفة مثل الشوكولاتة غير المغلفة. عندما تلمس الشوكولاتة الأرض تصبح متسخة وغير صالحة للأكل".
المشهد الأخير
في المشاهد الأخيرة للفيلم، يبتهج أحد المقاتلين قائلا: "بأسلحة أمريكية سنحكم العالم!".
ومهما كانت نوايا طالبان، فإن الفيلم- بحسب المجلة الأمريكية- يترك المشاهدين متشككين في قدرة الحركة على ممارسة قوة عسكرية ذات مغزى.
ومثل العديد من الصحفيين منذ ذلك الحين، التقط نشأت على الفور الملل بين مقاتلي طالبان الذي أعقب النصر العسكري.
فخلال التفاوض على حركة المرور في كابول في سيارة "سيدان" بعد أسابيع قليلة من سقوط المدينة، أخبر أحد مساعدي منصور صانع الفيلم أنه يتوق بالفعل إلى الحرب.
وبعد تجربته تلك، شبّه نشأت واقع الحكم في أفغانستان بعد القتال، بالخروج من حالة النشوة الناتجة عن المخدرات. ويبدو أن بناء البيروقراطية عملاً أصعب كثيراً من الفوز في الحرب.
مبتور من المعاناة الحقيقية
وعلى الرغم من خوفه وامتعاضه من طالبان، يعتقد نشأت أن الغرب يجب أن يتعامل معهم. مشيرا إلى أنه إذا تم تجاهلهم، فإنهم سوف يتصرفون من أجل جذب انتباه العالم، على حساب شعبهم والمنطقة.
ولكن بالنسبة لصانع الأفلام، لا تراوده أي أوهام بأن مثل هذا الانخراط سوف يسفر عن تغييرات سريعة في شخصية طالبان.
ومع عرض فيلم "هوليوود جيت" على الإنترنت بعد إصدار محدود في دور العرض، ربما لم يتمكن نشأت من إنجاز الفيلم الذي كان يعتزم إنجازه في الأصل.
إذ تم فصل معاناة الشعب الأفغاني عن الفيلم، جراء القيود التي فرضتها عليه حركة طالبان في حارة ضيقة.
وبعد العرض الجوي الذي قدمه منصور، طالبت شرطة طالبان السرية نشأت بالحضور إلى مكتبها وإظهار كل لقطاته.
وكما قال في مقابلة مع موقع "إندي واير"، فقد أدرك حينها أن عمله قد انتهى: "كنت أصور تحول إحدى الميليشيات إلى نظام عسكري، وأدركت في تلك اللحظة أن التحول قد اكتمل".
لكن من خلال التعاطف والصبر والجرأة، نجح نشأت في التقاط قصة بناء الأمة الأفغانية ــ ولكنها قصة مختلفة تماما عما كان أي غربي ليتخيله قبل عشرين عاما.
هدية بـ7 مليارات دولار
وفي تناولها للفيلم، تقول مجلة "فورين بوليسي" إن انهيار الدولة الأفغانية وسط انسحاب الولايات المتحدة، عام 2021، أهدى حكومة طالبان الجديدة معدات عسكرية أمريكية تزيد قيمتها على 7 مليارات دولار.
وفجأة وجد حكام أفغانستان الجدد أنفسهم مع أساطيل من مركبات همفي، والمدافع الرشاشة، وأجهزة الرادار وأطباق الأقمار الصناعية. إلى جانب مزيج متنوع من طائرات الهليكوبتر من طراز هند وبلاك هوك، وطائرات الشحن، وأسلحة أخرى.
وبحسب مجلة "ذا ويك" التي تصدر في بريطانيا والولايات المتحدة، يبدو أن طالبان كانت تأمل أن يساعدها الفيلم في نشر أيديولوجيتها في جميع أنحاء العالم.
وبدلا من ذلك، قدم الفيلم صورة ما يبدو عليه عناصر طالبان بعد رحيل القوات الأجنبية، حيث تبددت أحلامهم "بالاستشهاد"، ويبدو أن كل ما تبقى لهم هو غنائم حرب لا طائل منها، وبلد في احتياج شديد إلى البنية الأساسية.
وعُرض الفيلم الإنتاجي الألماني الأمريكي المشترك لأول مرة خارج المنافسة في البندقية وتيلورايد قبل أن يفوز بجوائز في زيورخ وأديلايد والجونة وغيرها.
وتم ترشيحه في يوليو/تموز الماضي، لجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان عمان السينمائي الدولي في الأردن.
aXA6IDMuMTQ1Ljg0LjEzNSA= جزيرة ام اند امز