"نجاسة الكلب" تثير جدلا بين شيوخ الأزهر.. ما القصة؟
عاد موضوع "نجاسة الكلب" ليثير جدلا بين شيوخ الأزهر مرة أخرى، بعد تصريحات حديثة لأحد العلماء عن ضرورة عدم تربيته في المنزل لنجاسة لعابه.
وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الموضوع، بل إن دار الإفتاء المصرية أصدرت قبل ذلك فتوى بشأن نجاسة الكلب من عدمه بعد جدل واسع.
لعاب الكلب نجس
البداية جاءت بتصريح الشيخ محمد أبو بكر، من علماء الأزهر الشريف في مصر، بأنه "لا فائدة من وجود كلب في المنزل، سوى للحراسة أو الصيد، وأن لعاب الكلب نجس أما جسده فهو طاهر".
وأضاف أبوبكر، في تصريحات تلفزيونية: "وجود الكلب في المنزل ينقص من نصيب أهل البيت كل يوم من الجنة، شاء من شاء وأبى من أبى، واللي يزعل يزعل"، متابعًا: "إذا كانت موجودة في حديقة المنزل ذلك يجوز".
وأردف: "جميع الفقهاء أجمعوا على حرمة وجود الكلب داخل المنزل إلا لصيد أو حراسة، فضلا عن أنه يفسد الصلاة، والكلاب مش مكانها البيوت وكلامي ده هيزعل ناس كتير بس ده دين، ومفيش مراعاة لحد".
جسد الكلب طاهر
بينما قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر الشريف، إن جسد الكلب طاهر؛ لأن الأصل في الفقه الإسلامي أن كل حي طاهر، وأن الله لم يخلق شيئا نجسا، مستدلا على ذلك بقول الإمام مالك.
وأوضح كريمة في تصريحات تليفزيونية سابقة، أن الأصل في الأشياء الإباحة، والأصل فيما خلق الله الطهارة وأن النجاسة شيء عارض، وعليه فالكلب طاهر وليس نجسا كما يعتقد البعض ويظن.
واستدل على حكمه بقول ورأي الإمام مالك بن أنس، والذي قال إن كل حي طاهر، مردفا: وهذا مذكور أيضًا في سورة المائدة، فقال الله: وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ.
واعتبر كريمة أن "في بعض التراث الموروث تضخيم مسألة الكلب، ونجاسته يمكن أن تكون في اللعاب فقط، لكن جسد الكلب إذا لمس إنسان فهو أمر عادي؛ لأن الكلاب تعيش في البيوت وتمشي مع الحيوانات الأخرى، وعندما تجد صاحبها تلتصق بالإنسان، ولا بأس من تربية الكلاب".
فائدة تربية الكلاب عظيمة
ورفض الشيخ خالد الجمل، الداعية الإسلامي، تصريحات المشايخ بشأن عدم وجود فائدة من تربية الكلب داخل المنزل، وأن مكان الكلاب ليس المنازل.
وكتب الجمل، عبر حسابه على موقع "فيسبوك": "عفوا، توجد فائدة عظيمة من دخول الكلب إلى البيت، ولا أعرف لماذا يحاول بعض الناس إظهار أن الإسلام يكره مخلوقا كالكلب؟".
ورد على تصريحات الشيخ محمد أبو بكر عن الكلاب قائلا: "المسلم يحب الكلاب وكل مخلوقات الله النافعة، وتعلمنا ألا نخفي الآراء الفقهية القائلة بالجواز كما أظهرنا الآراء الفقهية القائلة بالمنع، ثم نذكر بعد ذلك ما قد نرجحه".
وأضاف: "قال المالكية بطهارة الكلب مطلقا، بل وقال سحنون من المالكية بجواز الاتجار فيه وما يتبعه من معاملات، فلماذا لا نخبر الناس بهذا؟".
وتابع: "بعض الناس قد يأنف ويتأذى من وجود الكلاب في البيوت، وغيرهم لا يأنف من ذلك، ولذلك كانت نعمة تنوع آراء الفقهاء فى حكم اقتناء الكلب".
وأكمل: "معلوم أن مصلحة الإنسان مقدمة على مصلحة الحيوان لذلك كان وجوب مراعاة مصلحة الإنسان شرطا رئيسا في إباحة وجود الكلب أو أي حيوان آخر داخل المنزل".
حكم تربية الكلاب داخل المنزل
سبق وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بشأن سؤال ورد إليها نصه: ما حكم تربية الكلاب داخل المنزل بغرض الحراسة، وهل وجود الكلب داخل المنزل لهذا الغرض يمنع دخول الملائكة، أو يسبب نجاسة المكان الذي يوجد فيه؟".
وقالت الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني في فتوى سابقة منشورة بتاريخ 18 فبراير/ شباط 2016: "لا مانع شرعا من اقتناء الكلاب التي يحتاجها المكلف في حياته وعمله، بشرط عدم ترويع أو إزعاج الناس، واقتناؤه في هذه الحالة لا يمنع مِن دخول الملائكة على قول كثيرٍ من أهل العلم".
وتابعت: "أما عن نجاسة الكلب ومكانه فيمكن الأخذ في ذلك بمذهب المالكية القائلين بطهارة الكلب، ويُنصَح بوضعه في حديقة الدار إن وجدت، وإلَّا فليجعل الإنسان لنفسه في بيته مصلًّى لا يدخله الكلب".
وأضافت: "جاء في السنة النبوية الشريفة ترتيب نقص الأجر على اقتناء الكلاب واتخاذها ما لم يكن ذلك لغرضٍ من أغراض الانتفاع التي أباحها الشرع؛ كالصيد والماشية والزرع؛ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: مَنِ اتَّخَذَ كَلبًا إلَّا كَلبَ ماشِيةٍ أو صَيدٍ أو زَرعٍ انتَقَصَ مِن أَجرِه كُلَّ يَومٍ قِيراطٌ متفق عليه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفِي رواية أخرى: قِيراطانِ، وقد قاسَ الفقهاء على هذه الأغراضِ غيرَها مِن وجوه الانتفاع الصحيحة؛ كحفظ البيوت وحراسة الدروب وغيرهما ما يمكن أن ينتفع بالكلاب فيه، على اختلافٍ بينهم في توسيع ذلك؛ نظرًا للعلة المفهومة مِن الحديث وهي الحاجة، أو تضييقه؛ وقوفًا عند مَورد النص".
وواصلت: "قال الحافظ ابن عبد البر المالكي في التمهيد: وكذلك ما كان مثل ذلك، كما يُقتَنى للصيد والماشية وما أشبه ذلك، وإنما كُرِهَ مِن ذلك اقتناؤُها لغير منفعة وحاجة وَكِيدة؛ فيكون حينئذٍ فيه ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة في البيتِ والموضعِ الذي فيه الكلب، فمِن ها هنا -والله أعلم- كُرِهَ اتخاذُها، وأما اتخاذها للمنافع فما أظن شيئًا مِن ذلك مكروهًا؛ لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة قرنًا بعد قرنٍ في كل مصرٍ وباديةٍ فيما بلغنا والله أعلم، وبالأمصار علماء ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ويسمع السلطان منهم، فما بلغنا عنهم تغييرُ ذلك إلا عند أذًى يَحدُث مِن عَقر الكلبِ ونحوه".
وأردفت: "وأمَّا أثر وجود الكلب في المنزل على دخول الملائكة: فقد ورد في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان -واللفظ للبخاري- من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه: لا تَدخُلُ المَلائِكةُ بَيتًا فيه كَلبٌ ولا صُورةُ تماثيل، غير أن العلماء متفقون على أن هذا الحديث ليس على ظاهر عمومه، وأنه يُستثنَى مِن ذلك الحَفَظَةُ ومَلَكُ الموت وغيرُهم مِمن لا يفارِقون ابن آدم، ثم اختلفوا: هل هذا خاص بالكلاب التي لا يُؤذَن في اقتنائها، أم أنه عام في كل الكلاب: على قولين، أرجحهما الأول؛ بقرينة الإذن، على أن مِن العلماء مَن يخصص ذلك بملائكة الوحي، فيكون ذلك خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم".