"الدوغون" و"الفولان" بمالي.. مجازر قبلية أبادت قرى
هجمات وردود انتقامية بين عرقيتي "الدوغون" و"الفولان" باتت تثير قلقا بالغا في بلد يغرق منذ 2012، في أزمة أمنية خانقة.
مجازر قبلية مروعة تعتبر الأسوأ في التاريخ الحديث لمالي، أبادت قرى بأكملها، ووسعت رقعة الأزمة بالبلد الأفريقي من الشمال إلى الوسط.
هجمات وردود انتقامية بين عرقيتي "الدوغون" و"الفولان"، باتت تثير قلقا بالغا في بلد يغرق منذ 2012، في أزمة أمنية خانقة، وحولت مناطقه الشمالية إلى حلبة مواجهات لا تنتهي بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة.
لكن، ومع توسع النزاع باتجاه الوسط، أضحت المنطقة الأخيرة شبيهة بمقاطعة منفصلة عن الحكومة المركزية في باماكو، حيث أصبحت المجازر والهجمات الانتقامية، السمة الأبرز للمشهد هناك.
والثلاثاء، قتل 41 من عرقية "الدوغون" وأصيب العشرات في مجزرة جديدة، فيما لقي 35 آخرون حتفهم في مذبحة وقعت في 9 يونيو/حزيران الجاري، في مجازر مروعة قالت مصادر محلية إن مجموعة من "الفولانيين" نفذتها انتقاما لمقتل نحو 160 من عرقيتهم في 23 مارس/آذار الماضي.
تصاعد مخيف للعنف يستبطن استفهامات حول أسباب هذا المد، والعوامل التي ساعدت في توسعه بالأسابيع الأخيرة.
كيف بدأت الأزمة الحالية؟
لفهم ما يجري، لا بد من العودة إلى عام 2012 الذي سقطت فيه مناطق الشمال المالي تحت سيطرة مجموعات متشددة روعت السكان والقوات المحلية.
غير أن تدخلا عسكريا فرنسيا، في يناير/كانون الثاني 2013، تمكن من طرد بعض تلك الجماعات المتطرفة، فيما لا تزال أخرى تشن هجماتها بين الحين والآخر، في ظل وجود مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وحتى الأممية، وذلك رقم توقيع اتفاق سلام، في 2015، بين باماكو وأبرز المجموعات المسلحة.
ومنذ العام المذكور، توسعت الأزمة جغرافيا لتمتد من الشمال إلى الوسط، وأحيانا إلى الجنوب، وغالبا ما كانت في شكل صراعات قبلية في ظاهرة تعاني منها أيضا بوركينا فاسو والنيجر المجاورتان.
وما يزيد من حدة هذه الصراعات هو التنوع العرقي الكبير في مالي، ففي هذا البلد الذي يضم أكثر من 14 مليون ساكن، تتعايش نحو 20 عرقية، بينها "البامبارا" و"المالينكي" و"السونغاي"، إضافة إلى "المور" و"الطوارق" و"الدوغون" و"الفولان"، والأخيرتان تعتبران محور الصراع القبلي بالبلاد في السنوات الأخيرة.
**لماذا "الدوغون" و"الفولان"؟
تتعايش العرقيتان منذ قرون في مالي، و"الدوغون" في معظمهم مزارعون يسيطرون على السهول، فيما "الفولان" رعاة، ولطالما ربطت بين العرقيتين علاقات تجارية تفرضها أنشطتهما، لكن ذلك لم يمنع وقوع نزاعات بين الجانبين حول نقاط المياه والموارد الطبيعية.
غير أن الصراع لم يبلغ ذروته إلا في 2015 بسبب تنامي التطرف، بظهور ما يعرف بـ"كتيبة ماسينا" بقيادة الداعية أمادو كوفا، وفي الأثناء، بدأ المتشددون يتهمون بعض أفراد عرقيتي "الدوغون" و"البامبارا" بالتعاون مع القوات المسلحة، لتبدأ بذلك عمليات تصفيتهم.
إبراهيم يحيى إبراهيم، المحلل بمجموعة الأزمات الدولية، عقب على الأزمة قائلا، إن "المليشيات اعتبرت أن كل فرد من عرقيتي الدوغون والبامبارا كان متورطا في الوشاية بها لدى القوات المسلحة، ولذلك فتحت المجال أمام الفولان لشن هجمات انتقامية ضدها".
وأضاف إبراهيم، في حديث لإعلام فرنسي: "اليوم، بات الوضع مكبلا بالخوف والرعب النابعين من الوضع القائم، فكل عرقية مسكونة بهاجس من يهجم أولا، أو كيف تنتقم، كما أن الأمر تحول في جزء منه إلى نوع من أعمال العصابات رغبة في الاستيلاء على الأراضي".
أين القوات العسكرية؟
قبل الحديث عن القوات المسلحة لمالي، لا بد من التطرق أولا إلى القوات الأممية "مينوسما" المنتشرة في البلاد منذ 2013، أي عقب سقوط الشمال تحت سيطرة المجموعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
فرغم أن "المينوسما" تضم أكثر من 15 ألف عسكري وشرطي، إلا أنها عجزت عن احتواء العنف، والتصدي للمليشيات، وذلك بسبب المعارضة الشعبية التي تواجهها، ما يجعلها أكثر البعثات الأممية لحفظ السلام كلفة للأرواح البشرية، بـ195 قتيلا في صفوفها في 5 سنوات، بينهم أكثر من 100 قضوا في أعمال عدائية.
وما يعقد مهمة البعثة الأممية أكثر هو أنها لا تستطيع الاعتماد على القوات النظامية في مالي، بسبب قدرات الأخيرة المحدودة، في وقت تعجز فيه باماكو عن توفير ميزانية بأكثر من 15% لهذه القوات.
الخبير المالي تطرق إلى نقطة أخرى، وهي أن "الهجمات عادة ما تحدث بشكل متزامن، أي أنها يمكن أن تستهدف العديد من القرى المنتشرة على عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة في آن واحد، ما يجعل من الصعب على القوات العسكرية التواجد في جميع المسارح دفعة واحدة".
وفي 16 مايو/أيار الماضي، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) تسجيل "488 قتيلاً على الأقل" جراء هجمات استهدفت الفولاني في منطقتي موبتي وسيغو بوسط البلاد منذ كانون الثاني/يناير 2018.
aXA6IDMuMTQ0LjE3LjE4MSA=
جزيرة ام اند امز