كلاب العراق تطارد البشر.. 20 ضحية يوميا وانهيار الخدمات يعرقل المواجهة
علي، أحد المقاتلين العراقيين في القطاعات الأمنية التي خاضت معارك تحرير المدن من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي قبل 3 أعوام.
استطاع علي أن ينجو من الموت المؤكد خلال تلك الحروب، لكنه وقع أكثر من مرة ضحية لـ"عضة كلب ضال".
وبحسب إحصائيات تقديرية، صادرة من منظمات صحية ورقابية حصلت عليها "العين الإخبارية"، تصل أعداد الكلاب السائبة في عموم العراق إلى أكثر من نصف مليون كلب.
وتشهد العاصمة بغداد فضلا عن العديد من المحافظات، خلال الأعوام الأخيرة، ظاهرة انتشار الكلاب الضالة بأعداد كبيرة مما يشكل تهديداً للأمن الشخصي والاجتماعي فضلاً عن تداعياتها على الجانب الصحي والنفسي والبيئي.
وحذرت حكومات محلية وأوساط اجتماعية من خطر تلك الظاهرة، خاصة على الأطفال.
وكان مسؤول محلي في البصرة قد دعا في وقت سابق إلى ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ المحافظة من خطر 15 ألف كلب سائب.
وفي حادثة مروعة يمتزج فيها الوجع بالطرافة، أخذت الشرطة وجمع من الناس يلاحقون كلباً مسعوراً في وسط العاصمة بغداد لمسافة أكثر من كيلومترين، بعد أن غرس أنيابه في 45 جسدا.
يقول مسؤول في معهد باستور المتخصص بتقديم الخدمات العلاجية والوقائية للمصابين بعضات الحيوانات المختلفة إن معدل الحالات المسجلة بشكل يومي يصل إلى 20 حالة عض يومياً.
ويشير الدكتور عماد بليبل، المتخصص في الأمراض الوبائية المشتركة، لـ"العين الإخبارية" إلى أن "عضة الكلب قاتلة بشكل تام إذا ما ثبت أنه يحمل فيروسا جرثوميا، ما لم يتم تدارك المصاب فوراً من خلال تقديم المضادات والأمصال الخاصة بذلك الأمر".
وتسجل المراكز الصحية والأمنية في مختلف عموم العراق، بين الحين والآخر، حالات هجوم لحيوانات مفترسة أكثرها من الكلاب الضالة، باستهداف المارة من الناس، غالبا ما توقع إصابات بالغة وحالات وفاة، من بينها مؤخراً مقتل طفل يبلغ من العمر 4 سنوات في محافظة واسط جنوب العراق.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، قبل نحو عام، لدخول عدد من الكلاب الضالة لمركز الأورام في مستشفى الصدر التعليمي بمحافظة البصرة، شكل على إثرها مجلس تحقيقي من قبل دائرة الصحة لمحاسبة المقصرين.
ويعزو بعض المعنين بالأمر ، تفاقم تلك المشكلة إلى أسباب عديدة، من بينها مخلفات الحرب والتوسع السكاني وانتشار النفايات بين الأحياء السكنية، فضلا عن قلة التخصيصات المالية اللازمة لإطلاق حملات المكافحة.
ويرى الطبيب ميثاق عبد الحسين، مدير قسم الصحة الحيوانية في دائرة البيطرة العامة في وزارة الزراعة ، في حديث لـ"العين الإخبارية"، ان السبب الجوهري والأساس في تكاثر الكلاب الضالة داخل المدن والأحياء الشعبية يرتبط بموضوع كثرة النفايات التي تكتظ بها الكثير من الشوارع والأزقة .
وكان عضو مجلس النواب، جاسم البخاتي، حمل قبل نحو شهرين، أمانة بغداد مسؤولية تردي الخدمات وانتشار النفايات في شوارع العاصمة، مؤكداً أنها "غير قادرة على تقديم الخدمات".
وقبل 3 سنوات، كانت آخر حملة معلنة على مستوى بغداد، شاركت فيها ملاكات أمانة العاصمة ومجلس المحافظة وعدد من الوزارات المعنية لمكافحة الكلاب السائبة في منطقة الأعظمية.
ويؤكد مسؤولون في حكومة بغداد المحلية تنفيذ حملات مستمرة لمكافحة الكلاب في المدن والشوارع العامة، لكن الإمكانيات المادية ونتيجة للازمة المالية، التي تعيشها البلاد يحول دون إكمال تلك العمليات بالمستوى المطلوب".
وتتعامل الفرق الطبية والكوادر المتخصصة في مكافحة الكلاب الضالة في العراق باعتماد آلية الإبادة والقتل بالخراطيش واستخدام العقاقير الطبية من بينها مادة "حبوب ستركنين"، شديد السمية.
ويتحفظ البعض على طرق المعالجة التي تتبع من قبل الجهات المعنية للسيطرة على ظاهرة الكلاب الضالة باستخدام الخراطيش والسموم المميتة، مشدداً على أن تقديم اللقاحات وتوعية المجتمع بطريقة التعامل مع الحيوانات هي الحلول الأنجع والأفضل.
ويقترب من ذلك الرأي الدكتور واثق عبد الجبار، الطبيب البيطري وأخصائي الأمراض المشتركة، في مركز شفاء كورونا ببغداد، إذ يؤكد أن حملات القتل الجماعي وإبادة تلك الحيوانات يخل بطبيعة التوازن في طبيعة الكائنات الحية.
ويشدد لـ"العين الإخبارية" على "ضرورة خلق بيئة صحية آمنة عبر اعتماد طرق تلقيح للحيوانات السائبة للقضاء على الفيروسات والجراثيم التي قد تنقلها إلى الإنسان والتي تسبب ما يعرف علميا بداء الكلب ".
وداء الكَلَب هو مرض فيروسي يسبب التهاب حاد في الدماغ، وهو مرض حيواني المنشأ أي أنه ينتقل من الكلاب إلى الإنسان مثلاً وينتقل غالباً عن طريق عضة من الحيوان المصاب.
ويؤدي داء الكلب للوفاة عندما يصيب الإنسان بمجرد ظهور الأعراض إلا في حال تلقيه الوقاية اللازمة ضد المرض، وهو يصيب الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض ثم الوفاة.
معوقات عديدة
وبشأن المعوقات، التي تحد من إمكانية التعامل مع تلك الظاهرة، يبين مدير قسم الصحة الحيوانية في مديرية البيطرة العامة، ان "هنالك العديد من التحديات والعراقيل التي تعترض سير عمل فرق المكافحة من بينها ان عملية شن الحملات بالخراطيش تحتاج إلى موافقات أمنية وقطعات عسكرية مرافقة وتوقيتات معينة عادة تبدأ بعد منتصف الليل إلى ساعات الفجر خشية ان تتعرض الدواجن الأخرى إلى الضرر والهلاك في حال تناولها السموم التي تستهدف تلك الكلاب ".
ويستدرك في القول إن "بعض العراقيل تتعلق بالتخصيصات المالية من قبل الحكومات المحلية التي تضطلع بهذا الدور والمسؤولية بحسب قانون رقم 32 لسنة 2013 ، والذي جعل ملف مكافحة الحيوانات السائبة والحد من اعدادها من مسؤوليتها ".
ويلفت عبد الحسين الى عدد من الحوادث التي وقعت جراء حملات المكافحة من بينها إصابة طفل بخرطوشة سمية كانت قد أخطأت هدفها على كلب سائب. وكذلك قتل حيوان آخر اتضح فيما بعد إنه يعود إلى أحد المربين مما تسبب في جدل وشجار مع الفرق الصحية.
وينص قانون مكافحة الكلاب السائبة رقم (48) لسنة 1986 في المادة الرابعة على مكافحة الكلاب السائبة في الطرقات العامة وخارج المنازل وفي المدن والقصبات والمناطق الريفية بالقتل أو القنص أو أية طريقة أخرى، ولوزير الزراعة حق إصدار تعليمات بناء على اقتراح الدائرة المختصة لتنظيم ذلك على ان تتولى الجهات المختصة جمع الكلاب الهالكة والتي تهلك بالمكافحة وحرقها في أماكن بعيدة تخصص لهذا الغرض.
وبحسب آخر إحصائية، لعام 2019 ، أصدرتها دائرة البيطرة في وزارة الزراعة، أبيد في 15 محافظة أكثر من 55 ألف كلب ضال، جاءت بغداد ثانيا بعد محافظة النجف في إعداد تلك الحيوانات.
ويعيش نحو أكثر من 40 مليون عراقي بحسب آخر الإحصائيات التي نشرتها وزارة التخطيط لعام 2020، تحت أوضاع خدمية مزرية سواء في جانب الطاقة أو الصحة أو التعليم، فضلا عن تهالك الوضع المعاشي وارتفاع معدلات البطالة .
aXA6IDMuMTQ1LjE1NC4yNTEg
جزيرة ام اند امز