كلاب "خارقة".. رحلة تحرير العراق من رعب داعش
لم يعد خافيا عن حرب ضارية يخوضها العراق مع فلول داعش "تحت الأرض" عبر جنود مجهولة لتحديد مواقع الألغام لكنها جنود أوروبية "غير آدمية".
هنا في منطقة سنجار شمال العراق يترك نايف خلف قاسم "كلبه البلجيكي" يتنقل عبر الأرض الجافة على مقود طوله 30 مترا حتى يتوقف "برانكو" ويجلس ثم يهز ذيله ينتظر تدخلا سريعا.
برانكو - هذا الكلب الذكي البالغ 8 سنوات - اكتشف شيئًا ما تحت الأرض، وعندما تم إحضار فريق إزالة الألغام للتحقيق، وجدوا عبوة ناسفة.
يبلغ عرض تلك العبوة نحو 30 سم (1 قدم) مع غلاف بلاستيكي ومنصة ضغط مركزية زرعتها عناصر تنظيم داعش العراقي قبل طردها إلى سوريا.
وبحسب تقرير لصحيفة الجارديان فإن المؤكد أن "الألغام" هي واحدة من آلاف الأسلحة التي أنتجها التنظيم الإرهابي عندما سيطر على هذا الجزء من العراق.
وكثف الدواعش من إنتاج العبوات الناسفة بعد استيلائهم على مصانع البلاستيك في الموصل - بعد سقوطها في أيديهم- ما أجبر العمال على صنع نسخ محسنة من اللغم الأرضي إيطالي الصنع (VS50).
وهذا اللغم (VS50) يمكن حمله على كف اليد ويحتوي على حوالي 100 جرام من المتفجرات.
لكن في العراق يطلقون عليه اسم (VS500) لأن حجمه 10 أضعاف النسخة الإيطالية ومعبأ بما يصل إلى 15 كجم من المتفجرات ويؤدي انفجاره إلى تدمير مركبة مصفحة.
رحلة برانكو
تم تدريب برانكو على الشم بطريقة يمكن السيطرة عليها والتوقف إذا ظهرت رائحة، ولذلك لا يضغط على اللغم.
وفي تلعفر والمناطق القريبة منها، يعمل فريق كلاب "الكشف الفائق" الذي تديره منظمة بريطانية باحترافية شديدة في الكشف عن تلك المتفجرات.
ويضم فريق المجموعة الاستشارية للألغام (MAG) أربعة كلاب من بينها "برانكو" و"أكس-لانج"، ومدربيهما الأيزيديين نايف خلف (35 عاما) وفيان خضر خلف (26 عاما).
يقول نايف بفخر: "علمت أن برانكو سيجد العبوة الناسفة.. أنا أؤمن به وبقدراته.. أعرفه وماذا يمكنه أن يفعل. إنه صديق لي أكثر من كونه كلبًا".
ولعل هذا الفريق يعمل ضمن برنامج متطور للكشف عن الألغام تم تبنيه حديثا لتطهير تلعفر من المتفجرات التي زرعها التنظيم في البلدات والقرى في تلك المنطقة من سنجار مع هزيم داعش في 2017.
وتسارعت جهود إزالة هذه المتفجرات بفضل هذا الفريق من الكلاب البلجيكية والألمانية المدربة ليس فقط على شم المتفجرات، ولكن أيضا على التقاط روائح المطاط والمعادن والبطاريات.
ويمثل هذا الأمر أهمية كبيرة في العراق؛ إذ يتم تصنيع المتفجرات في كثير من الأحيان من الأدوات المنزلية مثل الأواني والغلايات.
وقبل 4 سنوات، تمكنت القوات العراقية من السيطرة على آخر معقل تركه داعش بالبلاد. ففي مدينة تلعفر ومحيطها تم رفع العلم العراقي على القلعة العثمانية التاريخية في قلب المدينة.
ربما تكون الحرب قد انتهت بحلول أواخر أغسطس/ آب 2017 ، لكن عناصر داعش المنسحبة زرعت البلدات والقرى والريف في تلك المنطقة من سنجار بالعبوات البدائية الصنع، وما زالت مهمة تطهيرها بعيدة المنال.
لكنها تتحرك بوتيرة أسرع بكثير ، وذلك بفضل إدخال فريق الكلاب البوليسية الصغيرة، بما في ذلك برانكو.
عثر فريق الكلاب على 3540 لغما أرضيا ومتفجرات من مخلفات الحرب ودمرها بما في ذلك 148 عبوة بدائية أخرى.
وأمام هذا شرعت المجموعة الاستشارية للألغام (MAG) في برنامج محدد للكشف بشكل أفضل عن المتفجرات التي يستخدمها داعش والجماعات الأخرى غير الحكومية.
عادة ما يتم تدريب الكلاب على شم المتفجرات، وخاصة مادة تي إن تي؛ حيث خضعوا لبرامج مكثفة في البوسنة والهرسك، حتى باتت أنوفهم منسجمة مع المطاط والمعادن والبطاريات أيضًا.
كانت الكلاب تبدأ العمل في الخامسة صباحًا حتى تتمكن من الانتهاء قبل أن تكون الشمس مرتفعة جدًا.
غير أنه وبسبب جائحة كورونا تم تقليص برنامج الكلاب فضلا عن صعوبات التفاوض في سنجار المنقسمة بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان، وفقا للجارديان.
وفي مارس/أذار الماضي، حذرت الأمم المتحدة من الألغام التي خلفها تنظيم داعش الإرهابي بعد سيطرته على بعض مدن العراق عام 2014.
وبحسب تقديرات كشفت عنها وزارة التخطيط العراقية، عام 2018، فإن تكلفة إزالة الأضرار التي لحقت بالمدن التي سيطر عليها تنظيم داعش، تتراوح بين 80 إلى 90 مليار دولار.