بفضل الروس والصينيين.. ترامب لا يستطيع تجاهل أفريقيا
تتمتع الإدارة الأمريكية القادمة بفرصة فريدة لتطوير شراكة ديناميكية مع أفريقيا تتجاوز الدبلوماسية التقليدية، وتعزز الروابط الاقتصادية.
وقال تقرير لمجلة "ناشيونال إنترست" إن "دونالد ترامب (الرئيس المنتخب) سيواجه في ولايته الثانية أجندة سياسة خارجية تغص بتحديات كبيرة وملحة مثل الحرب المستمرة في أوكرانيا، والبرنامج النووي الإيراني، والصين، لكن هناك منطقة لا ينبغي له إهمالها، العلاقات الأمريكية الأفريقية، حيث سيتوجب على إدارة ترامب الثانية النهوض بهذه العلاقات، فإهمال أفريقيا يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية داخليا وخارجيا، لن يكون القيام بذلك سهلاً.
تاريخيا، راوحت العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا ما بين الإهمال والتعامل الطفيف، وقد عسكت الإدارات الأخيرة -بما في ذلك الولاية الأولى لترامب- السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا المتمثل في التقليد المستمر بالتراجع.
وخلال ولاية ترامب الأولى اتسمت العلاقات الأمريكية مع دول القارة بنهج يركز على الأعمال التجارية، حيث أعطيت الأولوية للتجارة على الاستراتيجية، وسعت مبادرات مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا ومبادرة "ازدهار أفريقيا" إلى تعزيز الروابط الاقتصادية، لكنها تعثرت بسبب نقص واضح في الدعم الدبلوماسي والديمقراطي، مما أظهر صورة سلبية عن التزام الولايات المتحدة بالمنطقة.
في المقابل، ركزت إدارة بايدن على تعزيز الدبلوماسية مع القارة من خلال مبادرات مثل قمة القادة الأمريكيين الأفارقة، والانضمام مجددا إلى اتفاقية باريس، ودعم برامج مثل المبادرات المناخية، لكن هذه الجهود كانت في الأغلب غير متماسكة وسطحية، مما جعل العديد من الدول الأفريقية متشككة بشأن نوايا الولايات المتحدة، كما أن التأخير في تمويل المناخ وتوزيع اللقاحات زاد من هذه الشكوك.
هذا التفاعل المتقطع لا يرقى إلى مستوى التصدي المؤثر لتزايد نفوذ الصين وروسيا في القارة خلال السنوات الأخيرة، كما يمثل خطأ فادحا لأن أفريقيا تكتسب أهمية جيوسياسية متزايدة أكثر من أي وقت مضى.
تضم القارة بعض أسرع الاقتصادات نموا في العالم، وهي موطن لأسرع نمو سكاني عالميا، حيث يزيد عمر 60% من سكانها عن 25 عاما، مما يجعلها أصغر قارات العالم سنا، يمثل هذا التركيب الديموغرافي قوة تحولية ستشكل الديناميكيات العالمية في العقود القادمة، ومع ذلك تواجه القارة تحديات لتلبية احتياجات هذا النمو السكاني السريع في مجالات البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، مما يتطلب استثمارات كبيرة.
من الناحية الجيوسياسية تلعب أفريقيا أدواراً محورية في أنماط الهجرة، ومقاومة تغير المناخ، والتحديات الأمنية، كما أن هشاشتها أمام تغير المناخ تجعلها في حاجة إلى استثمارات لتعزيز الصمود في المناطق الزراعية، للحد من انعدام الأمن الغذائي والنزوح والصراعات.
هذه التحديات دفعت الحكومات الإقليمية إلى طلب المساعدة من جهات خارجية، وقد أدركت الصين وروسيا هذه الاتجاهات وسعتا إلى تعزيز وجودهما بطرق مختلفة.
تُعد الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لأفريقيا، حيث تصل التجارة السنوية إلى 282 مليار دولار، من خلال مبادرة الحزام والطريق (BRI، وقد أسهمت الصين في تحسين البنية التحتية في القارة بشكل كبير، كما أن مساعداتها المالية تأتي غالبا بشروط أقل مقارنة بالغرب، مما زاد من رغبة الدول الأفريقية في التعامل معها.
في المقابل، استخدمت روسيا أساليب تعود إلى الحقبة السوفياتية، حيث تدعم الأنظمة غير المستقرة عبر مجموعة "فاغنر" (الآن فيلق أفريقيا)، لتأمين اتفاقيات دفاعية والوصول إلى الموارد مثل الألماس والذهب واليورانيوم.
ورغم هذا المشهد القاتم لا يزال هناك مجال للولايات المتحدة لتبني نهج تنافسي، ويمكن لإدارة ترامب القادمة أن تسعى إلى شراكة ديناميكية مع أفريقيا تتجاوز الدبلوماسية التقليدية، مع التركيز على تعزيز الروابط الاقتصادية، وتوازن الالتزامات الأمنية، وتحديث جهود التنمية، مع دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويتطلب ذلك تجاوز التصورات القديمة التي تعتبر أفريقيا مجرد ساحة تنافس إلى الاعتراف بدورها الفاعل في العلاقات الدولية اليوم.
aXA6IDMuMTcuMTczLjI1MiA=
جزيرة ام اند امز