أحمد المهيري.. ابن الإمارات العابر لـ"الثقوب السوداء"
رحلة علمية للعثور على السؤال الصحيح والإجابة عليه
رحلة الدكتور الإماراتي أحمد المهيري، مليئة بالتحديات، التي تبحث عن الأسئلة الصحيحة للإجابة عنها، هنا نستعرض لمحات عن حياته.
احتفت الصفحة الرئيسية لموقع معهد الدراسات العليا (آي إيه أس) في برينستون في الولايات المتحدة، بالدكتور الإماراتي أحمد المهيري، ورحلته البحثية التي أثارت الاهتمام من صحيفة "نيويورك تايمز" إلى مجلة "ساينتيفيك أمريكان".
والمهيري عضو بكلية العلوم الطبيعية بالمعهد المتخصص في أبحاث ما بعد الدكتوراه، وكان أول إماراتي ينضم للمعهد الأبرز من نوعه في بحوث الفيزياء النظرية في العالم بعد أن حاز أفضل رسالة دكتوراه على مستوى جامعته في مجال الرياضيات والعلوم الطبيعية والهندسة.
وجاء في مقالة على صفحة المعهد، أنه في العام 2012، شارك المهيري في بحث أذهل علماء الفيزياء النظرية، بعنوان "الثقوب السوداء: التكامل أو الجدران النارية؟" مع دونالد مارولف وجوزيف بولشينسكي وجيمس سولي، حاولوا فيه فهم كيفية خروج المعلومات من الثقب الأسود وإشعاع جسيمات هوكينج.
وفي عالم ميكانيكا الكم، تتشابك الجسيمات الموجودة خارج أفق الثقب الأسود مع جسيمات داخله، مما يعني أن إطلاق إشعاع هوكينج وتبخر الثقب الأسود سيؤديان إلى فقدان المعلومات. وهذه الفكرة، التي حيرت الفيزيائيين لأكثر من 40 عاما، تخالف القاعدة المفهومة عن الأحادية الوحدة في ميكانيكا الكم، حيث لا تفقد معلومات أبدا ويمكن أن تتطور رجوعا إلى أصول الثقب الأسود ومكوناته.
الجدل والنقاش اللذان أبرزتهما مجموعة "أمبس" (الحروف الأولى للباحثين الأربعة)، يتركزان حول فكرة التشابك الكمي (المستخدم حاليا في الحوسبة الكمية والتشفير) وكيفية تشابك المعلومات داخل وخارج الثقب الأسود وكيفية الحفاظ عليها أم لا.
ذكر الدكتور المهيري في مقابلة أجريت مؤخرا مع مجلة المعهد: "أفضل طريقة لفهم شيء ما هو أن تشعر أولا بالارتباك". وأضاف "المثال الرئيسي حيث يوجد الكثير من الارتباك، هو فهم ما يحدث عند إضافة ميكانيكا الكم مع الجاذبية في سياق الثقوب السوداء. وأظهر ستيفن هوكينج أنه عند القيام بذلك، تظهر أمامك معضلة الحصول على المعلومات. حاولنا معالجة ذلك، وحصلنا على مفارقة جدار الحماية".
ويعتبر المهيري، الذي ولد ونشأ في أبو ظبي، أول إماراتي يتخصص في الفيزياء النظرية وأول من يصبح عضوا من دولة الإمارات في المعهد. وقال: "بعد أن ظهرت ورقة الجدار الناري، تلقيت رسائل بريد إلكتروني تسألني: هل أنت حقا من الإمارات العربية المتحدة؟".
والمهيري ثاني أصغر تسع شقيقات وثلاثة أشقاء. ولم تتلق والدته أي تعليم رسمي، ووالده حصل على درجة علمية جعلته واحدا من مؤسسي هيئة الهلال الأحمر الإماراتية وعمل كأول رئيس مجلس لإدارتها، وهو الآن متقاعد. ويشرح الدكتور المهيري أنه منذ صغره كان يتطلع للسماء وينظر إلى النجوم في وقت متأخر خلال تجمعات الأسرة ويشعر أنه مبهور بحجمها.
والغريب أنه في صغره لم يكن طالبا متفوقا، بل إنه رسب في بعض المواد. وفي الصف التاسع، وجد أنه يحب الهندسة الإقليدية "لأنها كانت منظمة جدا ومنطقية، ولها إجابات محددة".
في الصف الثاني عشر، كان مفتونا بالنسبية الخاصة والكيمياء، ويتذكر معلمه آنذاك عندما أشار على الجدول الدوري للعناصر: "هناك ذرات، وحولها إلكترونات. هذه الإلكترونات لديها احتمال غير الصفر أن تكون على سطح القمر".
وفي حين أن المهيري لم يكن لديه فكرة عما قاله معلمه في ذلك الوقت، كان مفتونا بهذا المفهوم الذي بدا مجنونا في ذلك الوقت، وعندما درس لاحقا ميكانيكا الكم، فهم ما يقصده.
وفي نهاية الصف الثاني عشر، قرأ المهيري كتاب ستيفن هوكينج "لمحة تاريخية عن الزمن" وأراد أن يفهم كل ذلك. يقول: "الجانب الذي أحببته في الفيزياء أنها غريبة جدا. لكن تصبح المفاهيم أقل غرابة كلما بحثت فيها".
كان الجميع يتوقع أن يكون إما رجل أعمال أو مهندسا، ولم يتوقع أحد أن يكون فيزيائياً. ولعدم وجود أماكن للعمل -حينها- اضطر إلى ترك عائلته وبلده، لإكمال دراسته.
في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، حيث حصل على درجة البكالوريوس، كان جوزيف بولشينسكي (شريكه في مجموعة أمبس) مستشاره. ويصفه المهيري قائلا: "إنه معلم جيد جدا. وهو أيضا صبور جدا".
ركزت مشاريع المهيري الأولى على محاولة فهم خصائص أنظمة المواد المكثفة باستخدام نظرية هندسة "زمكان" واسعة تعرف باسم فضاء (أنتي دي سيتر) مقابل نظرية مجال الحقل المطابق التي ظهرت عام ١٩٩٧ من قبل خوان مالداسينا، والأستاذ كارل ب. فاينبرج في كلية العلوم الطبيعية في المعهد.
كانت إحدى الأبحاث التي ظهرت ردا على ورقة أمبس هي "آفاق رائعة للثقوب السوداء المتشابكة"، التي نشرها مالداسينا وسوسكيند في عام 2013.
ومالداسينا كان واحدا من الأسباب التي دفعت المهيري ليكون بالمعهد، إذ يهتم الأخير بتطوير فهم أفضل لنظرية مالداسينا، خصوصاً فيما يتعلق بكيفية ترميز المعلومات حول نظرية الجاذبية في نظرية الحقل الكمي ومقدار المنطقة الفرعية التي يمكن إعادة بنائها وإقليمها الفرعي من منطقة دون إقليمية. وفي 2014 شارك المهيري في بحث "المنطقة المحلية وتصحيح الخطأ الكمي في نظرية هندسة زمكان"، وقد يرتبط ذلك في نهاية المطاف بكيفية حماية الحواسيب الكمية من الأخطاء الناجمة عن البيئة، وهي إحدى التحديات الحالية لإنشاء واحد بنجاح.
حيت سئل المهيري "أين نحن الآن؟" للتفكير في الحالة الراهنة لمفارقة المعلومات في الثقب الأسود، ومفارقة جدار الحماية. يجيب: "ما زلنا نشعر بالارتباك. وليس هناك حل مرض تماما. وقد يعني ذلك أننا لا نطرح السؤال الصحيح، فعندما نجده ونجيب عليه، يعني أننا أحرزنا تقدما كبيراً في الفيزياء".