«بيرل هاربر» روسيا.. هجوم رمزي أم نقطة تحوّل؟

في تطور غير مسبوق في الحرب الروسية-الأوكرانية، نفذت أوكرانيا هجومًا جويًا جريئًا بطائرات مسيّرة في عملية وُصفت بـ "بيرل هاربر" روسيا.
وبعد انقشاع غبار الهجوم الأوكراني المفاجئ، والذي استهدف قواعد جوية رئيسية في عمق الأراضي الروسية، اتضح أن تأثير هذا الهجوم، رغم نجاحه، لن يكون كبيرًا على القدرات القتالية الشاملة لروسيا، بحسب مجلة ناشيونال إنترست.
زعمت كييف في البداية تدمير حوالي 40 قاذفة روسية، لكن مسؤولًا أمريكيًا أكد أن الرقم الحقيقي لا يتجاوز اثنتي عشرة طائرة فقط. ويعكس هذا التفاوت الكبير في الأرقام حجم التضليل الإعلامي الذي رافق الهجوم، والذي استهدف رفع الروح المعنوية في الداخل الأوكراني وتعزيز الدعم الدولي لقضيتهم.
كما تمتلك روسيا مخزونات من القاذفات يمكن تجديدها لتعويض الخسائر، علاوة على أن القاذفات الاستراتيجية لم تعد تمثل العمود الفقري لقدرات روسيا في تنفيذ الضربات البعيدة المدى، حيث تحولت العمليات الاستراتيجية إلى الاعتماد بشكل أكبر على الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار طويلة المدى.
تميز هذا الهجوم بجرأته وتعديه على مناطق كانت تعتبر آمنة من قبل القوات الروسية، إذ استغل الأوكرانيون ثغرات أمنية في عمق الأراضي الروسية، مستهدفين قواعد جوية في مناطق مثل سيبيريا، على بعد آلاف الكيلومترات من خطوط القتال.
هذا النوع من العمليات يعكس تطورًا ملحوظًا في قدرات القوات الأوكرانية، التي استطاعت تجاوز الحواجز الجغرافية والأمنية المعقدة، مما أثار قلقًا كبيرًا في الأوساط العسكرية الروسية والدولية.
استخدمت أوكرانيا في هذا الهجوم طائرات مسيرة من نوع إف بي في ويُعتقد أن طائرات "أوسا" (Osa) الأوكرانية كانت من بين الطائرات المسيّرة المستخدمة، والتي تحمل رؤوسًا حربية صغيرة لكنها فعالة في تدمير الطائرات والبنية التحتية العسكرية.
وتتميز هذه الطائرات الصغيرة بقدرتها على الطيران لمدة 15 دقيقة بسرعة تصل إلى 150 كم/ساعة، ويجري توجيهها عبر بث فيديو مباشر يسمح بتوجيه دقيق في الزمن الحقيقي، مما يجعلها أداة دقيقة وفعالة في تنفيذ ضربات مركزة ضد أهداف استراتيجية.
إلى جانب "أوسا"، قد تكون طائرات إف بي في أخرى مثل "كوين هورنت" (Queen Hornet) و"نوماد" (Nomad) قد شاركت في الهجوم، حيث تتميز هذه الطائرات بتكلفة منخفضة تتراوح بين 500 و700 دولار، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا للعمليات الواسعة النطاق.
وتم تهريب هذه الطائرات إلى داخل روسيا عبر شاحنات مخفية، مما سمح بنشرها بسرية تامة. كما أن بعض هذه الطائرات تستخدم تقنيات متقدمة مثل القفز الترددي والألياف البصرية لتفادي أنظمة التشويش الروسية، مما يزيد من صعوبة التصدي لها ويجعلها أكثر قدرة على إحداث أضرار ملموسة رغم صغر حجمها.
هذه التقنيات المتقدمة تعكس مدى تطور الصناعات الدفاعية الأوكرانية في مجال الطائرات المسيّرة، والتي أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا للأنظمة التقليدية.
رغم أن الأضرار التي لحقت بالقاذفات الروسية كانت ملموسة، إلا أن التقديرات الأوكرانية المبالغ فيها حول حجم الخسائر المالية والعددية لم تتطابق مع ما أعلنته روسيا.
لكن الهجوم كان تاريخيًا في نطاقه وجرأته، وأثار مخاوف دولية، خاصة في الولايات المتحدة، من إمكانية تنفيذ هجمات مماثلة على قواعدها الجوية والبحرية باستخدام طائرات مسيرة رخيصة ومخفية داخل حاويات شحن، مما يشكل تهديدًا جديدًا للأمن القومي الأمريكي وحلفائه.
هذا التهديد الجديد دفع إلى إعادة تقييم استراتيجيات الدفاع الجوي وتطوير أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول لمواجهة هذا النوع المتطور من الهجمات.
أعاد هذا الهجوم كتابة قواعد الحرب الحديثة، حيث كشف عن ثغرات أمنية في قواعد جوية كانت تعتبر محصنة، مما دفع إلى ضرورة استثمار هائل في أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة.
وأكد الخبراء العسكريون أن الطائرات المسيّرة الرخيصة والمنتشرة يمكن تعديلها بسهولة للاستخدام العسكري، مما يجعلها تهديدًا متزايدًا للجيوش التي تعتمد على الأسلحة التقليدية المأهولة.
كما يعكس استخدام هذه الطائرات تحولًا في طبيعة الحروب، حيث باتت الحروب تعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الدقيقة والعمليات غير التقليدية التي تتطلب استراتيجيات جديدة للتعامل معها.
تنتج أوكرانيا حاليًا حوالي 200 ألف طائرة إف بي في شهريًا، وتخطط للوصول إلى إنتاج 4.5 مليون طائرة بحلول نهاية العام، بمشاركة شركات مثل تاف درونز ومجموعات مثل وايلد هورنتس، مما يتيح لها تنفيذ هجمات منسقة وواسعة النطاق، كما حدث في هذا الهجوم الذي شمل 117 طائرة مسيرة.
هذا الزخم يعكس تحولًا في طبيعة الصراع العسكري بين أوكرانيا وروسيا، ويبرز أهمية الطائرات المسيّرة كأداة حاسمة في الحروب الحديثة. واستمرار أوكرانيا في تطوير هذه القدرات يعزز من قدرتها على مواصلة الضغط العسكري على روسيا، ويجعل من الصعب على موسكو تجاهل هذا التهديد المتنامي الذي قد يغير موازين القوى في الصراع المستمر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز