حرب المياه تدق طبولها في العراق.. دجلة يموت والفرات يجف
يشهد العراق مع قرب فصل الصيف أزمة انخفاض حادة في منسوب مياه دجلة والفرات بعد أن بلغت مستويات غير مسبوقة طيلة السنوات الماضية.
ومنذ 2003، يعاني العراق من تراجع في منسوب المياه عبر نهري دجلة والفرات جراء السياسات المائية التي تعتمدها تركيا وإيران بتخفيض نسب الإطلاق وتغير مسارات الروافد وإقامة السدود العملاقة.
- مليارات العراق المهربة إلى الخارج.. بغداد تطارد السراب
- مستشار رئيس وزراء العراق يكشف لـ"العين الإخبارية" كواليس "شبح الإفلاس"
ويعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات وروافدهما التي تنبع جمعيها من تركيا وإيران، اللذين يجريان فيه من أقصى الشمال والشمال الشرقي والتقاءً بشط العرب عند الجنوب بمحافظة البصرة.
ولم تفلح الجهود الدبلوماسية التي بذلت من الحكومات المتعاقبة على العراق ما بعد أبريل/نيسان 2003، في التوصل إلى حلول ناجعة تضمن حصص البلاد المائية وتؤمن أنهاره من التراجع.
وأسفرت تلك التجاوزات من قبل دولتي المنبع والروافد في تقلص الأراضي الزراعية واتساع دائرة التصحر، فضلاً عن التغييرات البيئة جراء ذلك الأمر، فيما توقع مختصون أن يدخل العراق عام 2040 بلا رافدين.
ولوحظ خلال الأيام القليلة الماضية انخفاضاً كبيراً في نهر دجلة خلال مجراه في العاصمة بغداد، حتى بات الموضوع حديث رأي عام تداولته مواقع التواصل الاجتماعي ونبهت إلى مخاطر تداعيات ذلك الأمر.
والسبت الماضي، دعا رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية سلام الشمري لاجتماع نيابي وزاري طارئ، للتباحث مع سوريا وتركيا وإيران حول مياه نهري دجلة والفرات.
وشدد رئيس اللجنة سلام الشمري على فتح قنوات اتصال مع سوريا وتركيا وإيران من أجل ضمان حصة العراق المائية من النهرين، من دون تجاوز على الحصص وعدم استغلال موضوع المياه لأمور أخرى.
يأتي هذا في وقت أكد وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد، اليوم الأحد، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع موسع لمناقشة الملف المائي صحة الأخبار التي تتحدث عن انخفاض خطير في مناسيب نهري دجلة والفرات.
وقال رشيد إن "الواردات المائية القادمة من تركيا لنهري دجلة والفرات انخفضت بمقدار 50%".
وكشف رشيد عن "قيام طهران بتحويل بعض الروافد إلى داخل إيران، منها نهر سيروان وبعض من مياه رافد ديالى، وقد طلبنا من إيران عقد اجتماع معها حول هذا الموضوع لكن دون استجابة".
إفلاس مائي
يقول المتحدث باسم الموارد المائية عوني ذياب إن نسبة الضرر تقع عند نهر الفرات بواقع يقترب من نصف المنسوب بسبب تجاوزات الجارة تركيا، وعدم إطلاق الحصص المائية المتفقة عليها.
ويوضح ذياب، خلال حديث إلى "العين الإخبارية"، إن "الأزمة في نهر الفرات تأتي من عدم التزام الجانب التركي بالاتفاق الذي يقضي بموجبه ضخ 500 متر مكعب من المياه في الثانية الواحدة، عبر الأراضي السورية العراقية، فيما ما يتدفق الآن لا يتجاوز 200 متر مكعب، وقد تم مفاتحة أنقرة بشأن تلك التطورات عبر القنوات الدبلوماسية".
وبشأن الروافد التي تصب في العراق، يشار إلى أن نهر ديالى أكثر تضررا جراء حرف مسارات تلك المنابع التي تصب فيه من قبل الجارة إيران، وقطع امتداداتها في العراق، ما تسبب بانخفاض كبير، وهو ما ستنعكس تداعياته على تراجع الزراعة من المحاصيل الصيفية هذا الموسم، والاكتفاء بأنواع معينة وتأمين مياه الشرب.
ويوضح أن مناطق الضرر تمتد عبر أكثر من جانب واتجاه، وتضرب بشدة بعضا منها، إذ يبين ذياب أن التعامل الإيراني مع الروافد التي تنبع من أراضيها باتجاه العراق تسبب في انخفاض كبير في الخزين المائي.
ويستدرك بالقول إن "سد دوكان بات خالياً من الماء، والحال يقترب مما يحصل في سد دربندخان وحمرين ودوكان والزاب الأسفل".
ورقة التبادل التجاري
وفي الجنوب، الحال لا يقل سوءاً عن شرق وشمال العراق، إذ يشير إلى أن "نسب الأملاح في شط العرب ارتفعت نتيجة قطع مصب نهر الكارون، بالإضافة إلى نهر "الكرخا" الذي يغذي هور الهويزة".
وبخصوص نهر دجلة، يؤكد ذياب أن "الأمر مختلف كون الانخفاض الذي يسجله يتم تحت السيطرة من قبل الجانب العراقي بغرض ترشيد المياه والاستفادة منها وتوفيرها عند ذروة موسم الصيف".
فيما يقترح النائب عن لجنة المياه والأهوار النيابية محمد عثمان الخالدي أن تلجأ بغداد لاستخدام ورقة التبادل التجاري مع تركيا وإيران مقابل إطلاق الحصص المائية وضمان عدم قطع امتدادات الروافد التي تدخل الأراضي العراقية".
ويعزو الخالدي خلال حديث إلى "العين الإخبارية" أسباب تفاقم تلك الأزمة منذ عقود إلى ضعف الحكومات العراقية على مستوى التفاوض مع تلك الدول أو على جوانب إنشاء البنى التحتية من سدود وخزانات للتعامل مع ارتفاع مناسيب المياه في بعض المواسم وكذلك الاستفادة من مياه الأمطار.
ويتوقع الخالدي أن "يعيش العراقيون موسم صيف قاسيا ينذر بتهديد حياة البشر والنبات"، محذراً "نحن أمام كارثة وخطر كبيرين وعلى الحكومة التحرك بعجالة لتدارك الأمر".
عجز الطاقة الكهربائية
يعتمد العراق في توليد الطاقة الكهربائية على محطات بخارية وكهرومائية تشكل نحو 20% من مجمل مراجل التوليد الأخرى التي تعمل على الطاقة الغازية.
ويعاني العراق منذ ثلاثة عقود، أزمة في تجهيز الطاقة الكهربائية لم يستطع من إيجاد المعالجات اللازمة لتحسين قدرتها رغم إنفاق أكثر من 70 مليار دولار في ذلك القطاع ما بعد 2003.
وإذا ما كان انخفاض مناسيب المياه في ظل تفاقم الأزمة الحالية على واقع المنظومة التوليدية للطاقة، يؤكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي أن تلك المتغيرات ستترك آثارها السلبية على عدد ساعات تجهيز المواطنين.
حرب المياه
العبادي، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، يحذر مما سماه "حرب المياه"، وانحسار الحصص المائية العائدة للعراق على عمل المنظومة الكهربائية.
ويستدرك بالقول إن "محطات الموصل وحمرين وحديثة ودوكان تعمل جميعها بالطاقة الكهرومائية والبخارية، وهي تعاني مشاكل في التوليد سابقاً نتيجة تراجع نسب المياه في السدود التي أنشأت قربها"، متسائلاً "فكيف ستكون طاقتها الإنتاجية في ظل التطورات الآنية".
ويلفت إلى أن "الطاقة الإنتاجية لمحطة الموصل تبلغ 750 ميجاواط ولكن لا تعطي أكثر من 231 ميجاواط بسبب شح المياه خلال السنوات الماضية".
ويتابع بالقول: "الأمر ليس منحسراً بالمحطات الكهرومائية والبخارية، بل حتى الغازية منها تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، لكونها تعمل وفق آلية الدورة المركبة".
وفي مطلع العام الحالي، أبدت وزارة الموارد المائية عن قلقها من تحرك تركي بصدد إنشاء المزيد من السدود على حوض ومصبات نهر دجلة للاستيلاء على مزيد من المياه.
ويقع السد الأول المزمع إنشاؤه عند منطقة شمال ديار بكر ويطلق "سيلبان"، وهو مصمم للاستخدام في المشاريع الأروائية، فيما يقع الآخر وهو سد الجزرة، في منطقة ماردين الواقعة على الحدود السورية العراقية التركية، والذي سيستغل لتنفيذ المشاريع.
وكانت أنقرة بدأت بتدشين أكبر السدود على نهر دجلة في 2018، ما يعرف بـ"إليسو"، بعد عمل استمر نحو 12 عاماً، والذي أثر بشكل كبير على تدفق المياه باتجاه الأراضي العراقية.