الجفاف "يحاصر" ذهب المغرب السائل.. "زيت الأركان" في خطر
يعاني زيت الأركان، الذي يعرف في المغرب باسم "الذهب السائل"، من تبعات حالة الجفاف التي ضربت البلاد، وقللت من إنتاج الزيت بشدة.
ويُستخرج زيت الأركان الذي يحظى بشهرة عالمية كبيرة من ثمار شجرة الأركان، التي تنمو بكثرة في جنوب غرب المغرب. ولهذا الزيت استخدامات متعددة وبخاصة في الطب التقليدي والتكميلي وفي صناعات الأغذية ومستحضرات التجميل.
وثمرة الأركان بحجم ثمار الجوز وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة. ويقول خبراء إن الجفاف الذي توالى على المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة العامين الماضيين، أثر بشكل كبير على إنتاج زيت الأركان، إذ ترتبط وفرة إنتاجه بالسنوات المطيرة.
كما يعاني القطاع من الاحتكار والمضاربة، لا سيما بعد اهتمام شركات عالمية بهذا المنتج المغربي، واكتشاف خصائصه الغذائية والعلاجية والتجميلية.
فوائد جمة
وصل سعر زيت الأركان إلى 600 درهم للتر (نحو 55 دولارا) للزيت المعصور يدويا، بحسب تقرير لوكالة رويترز، وهو مستوى غير مسبوق لسعر هذا الزيت الذي يشتهر باسم "الذهب السائل". بينما يتراوح سعر لتر الزيت المعصور عن طريق الآلات ما بين 450 و550 درهما.
ويحتوي زيت الأركان على تركيز عالٍ من الأحماض الدهنية، كـ"اللينوليك"، والذي أثبتت الدراسات والتجارب الطبية فعاليته في التقليل من الالتهابات الجلدية والزيادة من مستويات ترطيب البشرة. بالإضافة إلى حمض الأوليك الذي يُحسن نفاذية البشرة ويساعدها على امتصاص مواد أخرى.
أما الفيتامينات، فزيت الأركان غني بأحماض أوميجا 6، وأيضا فيتامين أ وفيتامين ه، وكمية مهمة من مضادات الأكسدة.
بروتوكول صارم
لاستخراج هذه المكونات السحرية، تتبع النسوة في التعاونيات المهتمة بالأركان، بروتوكولا صارما، يبدأ بقطف الثمار من أشجار الأركان، ثم عرضها تحت أشعة الشمس لساعات كي تجف ويسهل تقشيرها يدويا بمساعدة حجرين أملسين.
بعد استخراج النواة يتم تحميصه فوق النار، قبل أن تُطحن على الرحى التقليدية للحصول على عجين متجانس يتم دلكه لساعات متتالية لاستخراج زيت الأركان.
ولاستخراج لتر واحد من زيد الأركان المخصص للأكل، تقوم النسوة بطحن أربعين كيلوجراما من محصول ثمار الأركان.
الزيت المخصص للتجميل، يمر من المراحل ذاتها، إلا أن البذور لا تُحمص فوق النار، وذلك للحفاظ على طراوتها، الشيء الذي يتطلب طحن كميات مضاعفة من ثمار الأركان.
صرامة هذا البروتوكول، والكميات القليلة من زيت الأركان المستخرجة من البذور تؤثران بشكل مباشر على ثمنه، إذ يتراوح ثمن اللتر الواحد من الزيت الموجه للاستهلاك الغذائي، ما بين 40 و60 دولارا أمريكيا، فيما الموجه للتجميل فقد يصل اللتر الواحد منه إذا كان ذا جودة عالية إلى 250 أو 300 دولار.
تاريخ عريق
وشجرة الأركان، أو الأرجان، أو شجرة "لوز البربر" كما يسميها البعض، يطلق عليها البيولوجيون اسم Argania spinosa، وهناك إجماع على نُدرتها في العالم، وقدم تاريخها.
ويختلف البيولوجيون حول عمرها الحقيقي، إلا أنهم يُقدرونه بين 1500 و2000 سنة، لتكون بذلك أقدم شجرة في المغرب، إلا أن قدمها لم يُسهم في انتشارها الكبير، لأنها شجرة نادرة للغاية ولا تتواجد إلا في منطقة سوس جنوب المغرب، وتحديدا في الأراضي المحيطة بمدينة أكادير الممتد إقليمها بين مدن الصويرة تارودانت وتزنيت وتفراوت وبيوكرا.
وتنتمي شجرة الأركان لفصيلة "الأشجار الصنوبريات"، وهي تُشكل العمود الفقري للنظام الرعوي والزراعي في المناطق التي تنتشر فيها، والتي تتجاوز 830 ألف هكتاراً في المغرب، خاصة منطقة الأطلس.
وتشكل أشجار الأركان ما مجموعه 71% من الغطاء النباتي لهذه المنطقة، التي تشكل نسبة 18% من مجموع مساحة الغابات في المملكة المغربية.
وشجرة الأركان شجرة معمرة يمكن أن تعيش 200 عام ويصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار أحيانا وتتحمل درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، ويقول خبراء إنه لا يوجد لها نظير في العالم سوى شجرة شبيهة في مناطق بالمكسيك لكنها لا تطرح ثمارا.
تحديات عدة
المقاومة الشرسة التي أبدتها هذه الشجرة للتغيرات المناخية الصعبة، فشلت في مواجهة الرعي الجائر للسكان، وأيضاً استهدافها من طرف منتجي حطب الوقود والفحم الخشبي، ما جعلها أشجاراً مهددة بالانقراض في عدة مناطق.
من جانبها، حذرت السلطات في المغرب من أن شجر الأركان أصبح يعاني مخاطر عديدة، على رأسها الجانب البيئي بسبب الاستغلال المفرط لهذه الثروة النباتية. كما خصصت برنامجا بنحو 2.8 مليار درهم، من أجل إعادة تأهيل آلاف الأشجار وزيادة إنتاج زيتها.
ومن بين الأهداف التي يسعى المغرب تحقيقها في هذا الصدد، إعادة تأهيل 200 ألف هكتار من شجر أركان الغابوي خلال 10 سنوات، والرفع من إنتاج زيت الأركان، الذي تزايد الطلب عليه وطنيا ودوليا، إذ ارتفع إنتاجه إلى 10 آلاف طن سنويا، بدلا من 4 آلاف طن.
ويتم حاليا، تنفيذ برنامج استراتيجي طموح يتمثل في غرس 10 آلاف هكتار من “الأركان الزراعي”، الذي أصبح عبارة عن سلسلة زراعية قائمة بذاتها، بموازاة الأركان الغابوي.
احتفاء عالمي
وعام 2014، أدرجت اللجنة الحكومية لحماية التراث الثقافي اللامادي التابعة لمنظمة اليونسكو شجرة الأركان على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية.
وفي 10 مايو/ أيار 2021، احتفلت المملكة المغربية ومعها الأمم المتحدة بأول يوم عالمي لشجرة الأركان، والذي يعتبر تتويجا لجهود المملكة المغربية في تثمين هذه الشجرة النادرة، باعتبارها تراثا ثقافيا لا ماديا للإنسانية ومصدرا للتنمية المستدامة.
ويذكر أن هذا القرار تمت المصادقة عليه بالإجماع من طرف الدول الأعضاء بنيويورك يوم 3 مارس/آذار 2021، حيث حاز المغرب بموجبه على دعم المجتمع الدولي لحماية هذا الموروث الطبيعي وتنمية مجاله الحيوي.
aXA6IDMuMTQ1LjE2My4xMzgg
جزيرة ام اند امز