اليوم العالمي لشجرة الأركان.. رؤية مغربية أممية لتنمية الذهب الأخضر
احتفى المغرب والأمم المتحدة، الإثنين، باليوم العالمي الأول لشجرة الأركان ذات القيمة الكبرى في المجال البيئي والعلاجي والتجميلي، تضمن رؤية مغربية أممية للحفاظ على الشجرة المعترف بها كتراث ثقافي لا مادي للبشرية.
وشجر "الأركان" من فصيلة الأشجار الصنوبرية، تنتشر في المناطق الجنوبية للمغرب، وتعمّر مئات السنوات، وتتميز بجذعها القصير وفروعها الكثيفة الوارفة.
وتشكل الأركان العمود الفقري للنظام الرعوي والزراعي في المغرب، حيث تمتد أشجارها على مساحة تزيد عن 800 ألف هكتار، موزعة على ثلاث جهات (سوس ماسة، ومراكش آسفي، وكلميم واد نون).
وتشكل مصدر عيش للآلاف من المواطنين، كما تضطلع بدور كبير في التوازنات البيئية، فضلا عن كون منتجاتها، الغذائية والطبية، تشكل “علامة مغربية مسجلة” على الصعيد العالمي.
وتنفرد شجرة الأركان بزيتها، الذي يتم تصديره لعدد كبير من دول العالم، حيث يستخدم لعلاج الكثير من الأمراض، إلى جانب فوائده التجميلية.
وذاع صيت هذا الزيت بعدما اكتشفت شركات أجنبية فوائده الكثيرة، إذ بات يعدّ مادة نفيسة، الشيء الذي جعل البعض يصفونه بـ"الذهب السائل" أو "الذهب الأخضر".
وما تزال الأبحاث جارية لاكتشاف مزيد من المنافع الخفية لزيت الأركان ومشتقاته.
وياتي الاحتفال باليوم العالمي لتلك الشجرة بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، 3 مارس/ آذار الماضي بالإجماع، القرار الذي قُدم بمبادرة من المغرب، والذي يعلن 10 مايو/أيار من كل عام، يوما عالميا لشجرة الأركان.
يأتي اعتماد هذا اليوم بمثابة اعتراف بالجهود المتواصلة التي بذلها المغرب، من أجل الحفاظ على هذه الشجرة المعمرة، الشجرة المستوطنة في المغرب، التي تعد تراثا ثقافيا لا ماديا للبشرية، ومصدرا عريقا للتنمية المستدامة، وكدعم من المجتمع الدولي لحماية هذا الموروث الطبيعي و تنمية مجاله الحيوي.
احتفالية دولية
وانطلقت، الإثنين بمدينة أكادير المغربية، فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي الأول لشجرة الأركان.
وترأس حفل افتتاح هذا الحدث الرفيع المستوى، الذي ينظم بمبادرة من المغرب والأمم المتحدة، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عزيز أخنوش، بحسب وكالة الأنباء المغربية.
وشارك في الاحتفالية رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، ونائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، أمينة ج. محمد، والمديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، أودري أزولاي، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبريسوس.
وتم بث الاحتفالية على القناة الإلكترونية “WebTV” التابعة للأمم المتحدة، وشبكات التواصل الاجتماعي.
الاحتفالية الدولية تحولت إلى مناسبة للتعريف بهذه النبتة الفريدة من نوعها على الصعيد العالمي، وجهود المغرب التي تعد تلك الشجرة موطنها الأصلي للحفاظ عليها.
ووعيا منه بأهمية الحفاظ على شجر الأركان، عمل المغرب قبل سنوات على إنشاء “الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان” (أندزوا) التي تعتبر الآلية الفعالة لتطبيق وتنسيق مختلف برامج التنمية التي أقرتها الدولة في إطار استراتيجيتها لتطوير قطاع الأركان، والذي أصبح مؤطرا منذ سنة 2011 بواسطة “عقد برنامج” رصد له ميزانية مالية بلغت 2.8 مليار درهم.
ومن بين الأهداف التي يسعى المغرب تحقيقها في هذا الصدد، إعادة تأهيل 200 ألف هكتار من شجر أركان الغابوي خلال 10 سنوات، والرفع من إنتاج زيت أركان، التي تزايد الطلب عليها وطنيا ودوليا، إذ ارتفع إنتاجه إلى 10 آلاف طن سنويا، بدلا من 4 آلاف طن.
ويتم حاليا، تنفيذ برنامج استراتيجي طموح يتمثل في غرس 10 آلاف هكتار من “الأركان الزراعي”، الذي أصبح عبارة عن سلسلة زراعية قائمة الذات، موازاة مع الأركان الغابوي.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عزيز أخنوش، خلال الاحتفال أن زراعة شجر الأركان الفلاحي بالمغرب ستصل إلى 50 ألف هكتار في أفق سنة 2030.
وبين أنه سيتم إنجاز مشاريع تنموية أخرى في إطار استراتيجية “الجيل الأخضر” التي تفضل بإعطاء انطلاقتها العاهل المغربي الملك محمد السادس، مبرزا أن الأمر يتعلق ببلوغ هدف تراكمي يقدر بـ 400 ألف هكتار لإعادة تأهيل شجر الأركان ومتابعة تنمية زراعة الأركان الفلاحي.
وبين الوزير المغربي أنه تم العمل على برنامج لغرس 10 آلاف هكتار من الأركان الفلاحي سنة 2018 بغلاف مالي قدره 49 مليون دولار بتمويل من الصندوق الأخضر للمناخ بـ 39 مليون دولار، مشيرا إلى أنه تم إلى حدود الآن غرس ما يقارب 6 آلاف هكتار من شجر الأركان الفلاحي، والبقية في طور الإنجاز.
وأكد أنه سيتم خلال هذه السنة إنشاء مركز وطني لشجرة الأركان، والذي سيشكل حاضنا للمبادرات العمومية والخاصة، ومنصة لتطوير البحث والتوثيق المتعلق برصيد شجر الأركان.
من جانبها قالت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أودري أزولاي، في كلمة عبر الفيديو خلال الاحتفال إن شجرة الأركان هي أكثر من مجرد شجرة، فهي أيضا حضارة ونموذج للعلاقة القائمة بين الإنسان والطبيعة.
وأشارت أزولاي إلى أن خصائص هذا “الكنز”، لا سيما من خلال زيت الأركان، “غزت العالم”، سواء في الطب التقليدي أو الطبخ بطبيعة الحال، ولكن أيضا بشكل متزايد في صناعة مستحضرات التجميل.
واعتبرت إن شجرة الأركان “حضارة” تحملها الكثير من النساء اللواتي يشتغلن في إعداد فاكهتها، مشيرة إلى أن شجرة الأركان تشكل بالنسبة لهؤلاء النسوة تحررا من خلال العمل في كثير من الأحيان داخل التعاونيات.
وتابعت المسؤولة الأممية “يتعين علينا إذن أن نحترم ونقدر هذه الأعمال، وأن نحترم أيضا كل ما تمنحنا إياه الطبيعة، من خلال الأركان، وحماية هذا الصنف الأصيل الاستثنائي من الخروقات التي لا تحترم وتيرة حياتها”.
بدوره أبرز المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، ، أهمية غرس شجرة الأركان على مدى آلاف السنين، مؤكدا أن هذه الشجرة تقدم “مثالا حيا على المقاربة الشاملة، التي تعتبر ضرورية من أجل تحقيق التنمية المستدامة”.
وقال، في مداخلة عبر الفيديو، إن “جائحة كوفيد-19 تذكرنا بالعلاقة الدقيقة والجوهرية بين الناس والكوكب. وفي الواقع، فإن شجرة الأركان تشكل مثالا حيا على هذه المقاربة الشمولية التي تعتبر ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة”.
وأبرز المدير العام للمنظمة الأممية، من جهة أخرى، الدور الذي تضطلع به هذه الشجرة ومختلف الأصناف البيولوجية في المجال الطبي، مؤكدا أن منظمة الصحة العالمية ومن أجل دعم البلدان في هذا الاتجاه، أصدرت كتيبا حول الممارسات الفضلى في مجال الحفاظ على النباتات الطبية وكذا استعمالها بشكل جيد.