المتابع لأداء الجزيرة وتخبطاتها في السنتين الأخيرتين لن يجد أي صعوبة تذكر في البحث عن كمية التناقض الكبير في سياسة القناة.
يعلم الحوثيون قبل غيرهم أن زعمهم استهداف مطار دبي الدولي بطائرة "الصماد"، هو مجرد ادعاء لا يقل في سخافته عن ذلك الخبر الذي طارت به وسائل الإعلام الموالية لنظام طهران باختراع طائرة كوثر "فخر الصناعة الإيرانية"، والتي ما لبثت أن سقطت بعد يومين من امتطاء روحاني لقمرة قيادتها، وما إن سقطت حتى أعاد الإعلام الإيراني للطائرة مسماها الأصلي "F5"، وهو ما أثار سخرية لدى الشعب الإيراني قبل غيره.
مزاعم الحوثيين باستهداف مطار دبي لم تخرج عن ذات السيناريو الذي زعموه من قبل باستهداف مطار أبوظبي، والجميع يعلم أن هذه الأكاذيب لا هدف لها سوى رفع الروح المعنوية المنهارة لأتباع هذه المليشيات الإرهابية الموالية لإيران، خاصة بعد ما تكبدته من خسائر على مستوى قاداتها ورموزها الذين تمت تصفيتهم واحدا تلو الآخر.
باتت "الجزيرة" اليوم مثارا للنكت والكوميديا، حيث يحرص الجميع على متابعتها للبحث عن خبر أو سقطة تسهم في زيادة جرعة الضحك لديهم، فهل أدركت القناة والقائمون عليها ذلك الانحدار في مستواها ومكانتها بين بقية القنوات؟ أم أنهم راضون بتصنيف قناتهم في صف "المنار والعالم والمسيرة"؟
يعلم الحوثي قبل غيره أنه إن كان يملك تلك الطائرة التي تستطيع قطع نحو 1600 كلم للوصول لدبي وهي محملة بتلك المتفجرات كما يزعم، فكان سيبادر باستخدامها بشكل يومي في مهاجمة أهداف أكثر حيوية وأقرب لصنعاء من مطاري أبوظبي أو دبي، ولكن بما أن الحوثي وجد أبواقا تفرح بتلك الأكاذيب وتفرد لها مساحات بث استثنائية معنونة بكلمة "عاجل"، فإن الحوثي سيستمر في ادعاء تلك الخزعبلات، ولا نستبعد أنه سيستغل أي حادث سير أو غرق أو حريق أو كارثة في المستقبل -لا سمح الله- في أي من دول التحالف العربي، حتى يخرج ببيان يدّعي فيه أن إحدى طائراته المسيّرة من نوع "الصمّاد" نجحت في الوصول لهدفها وعادت إلى قواعدها بسلام، وسيعقب هذا البيان حفلات ردح وتشفٍّ من قبل "الجزيرة" وأخواتها من قنوات العالم والمسيرة والمنار تعلن فيه عن نجاح الحوثي في خلق "توازن الرعب"، وهم يعلمون قبل غيرهم أنها مجرد محاولات معنوية لاستدراك الانهيار في صفوف مليشيات طهران.
استذكر هنا وبالتزامن مع ما شهدته "الجزيرة" من طرب ورقص لزعم الحوثي استهداف مطار دبي، بالتصريح الذي أدلى به سفير المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي في رد له على سؤال أحد الإعلاميين عن إمكانية تعليق جميع أعمال الاستفزاز والتحريض على الكراهية والعنف التي تصدر من إعلام "نظام الحمدين"، فكان رد المعلمي "إذا استطعنا تحقيق ذلك من دون إغلاق الجزيرة فإن ذلك أمر جيد".
هذا التصريح استذكرته وأنا أشاهد ذلك الإسفاف الذي انحدر له مستوى الطرح الإعلامي في قناة الجزيرة، وكمية السخرية والاستهزاء بكل خبر تبثه القناة على شاشتها أو عبر حساباتها في التواصل الاجتماعي، هذا الإسفاف الذي اتخذته القناة منهجا لها بعد مقاطعة الدول الأربع لقطر كان سببا مباشرا في كشف توجهاتها وزيف ادعاءات مسؤوليها بالتزامها بأي مواثيق للشرف والنزاهة الإعلامية، حتى بات أثر هذه القناة اليوم لا يتعدى حدود سلوى.
يمكننا اليوم أن نقول لكل من كان يقلق من أثر "الجزيرة" وقوّة تأثيرها على الرأي العام العربي: لا تقلق، فالقناة وبأسلوبها الرخيص باتت أثرا بعد عين ولا يمكن لعاقل أن يتأثر بما تطرحه القناة هذا إن كان له عقل يفكر به.
المتابع لأداء الجزيرة وتخبطاتها في السنتين الأخيرتين لن يجد أي صعوبة تذكر في البحث عن كمية التناقض الكبير في سياسة القناة وتوجهها التحريري من خلال مقارنة بسيطة لطرحها الإعلامي قبل وبعد المقاطعة المبروكة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت القناة تبارك وتشيد بجهود المملكة العربية السعودية في تنظيم الحج واستقبال الحجاج وثبات موقف القيادة السعودية تجاه كل من يحاول المس بأمن الحج وضيوف الرحمن، بينما اليوم باتت القناة بوقا لكل من تسول له نفسه الانتقاص من جهود المملكة ومنصة لكل من يرغب في تدويل الحرمين وتسييس الحج.
وذات القناة التي استضافت محللين يشيدون بقرار خادم الحرمين الشريفين وقادة التحالف العربي في إطلاق عملية "عاصفة الحزم" لقطع أذناب طهران في اليمن، نجد اليوم المحللين ذاتهم وعلى شاشة القناة ذاتها يدعون للحوثي بالنصر ويمدونه بالدعم الإعلامي والمعنوي الذي يخفف عنه تلك الصدمات التي يلقاها هو وأتباعه من المقاومة اليمنية وقوات التحالف.
بل تعدت الجزيرة كل حدود النزاهة والشرف الإعلامي من خلال تلك البرامج والحوارات التي لا تخلو من أي إيديولوجيات يملؤها الحقد والكراهية، فلك أن تتخيل مذيعا يسأل قياديا حوثيا حول الصاروخ الذي أُطلق على الرياض -على حد زعمهم- فيما إن عاد إلى قواعده سالما أم لا.
لقد باتت "الجزيرة" اليوم مثارا للنكت والكوميديا، بحيث يحرص الجميع على متابعتها للبحث عن خبر أو سقطة تسهم في زيادة جرعة الضحك لديهم، فهل أدركت القناة والقائمون عليها ذلك الانحدار في مستواها ومكانتها بين بقية القنوات؟ أم أنهم راضون بتصنيف قناتهم في صف "المنار والعالم والمسيرة"؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة