منذ انطلاق دورتها الأولى قبل نحو أحد عشر عاما، استطاعت القمة العالمية للحكومات في دبي أن ترسخ من مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي لتطوير العمل الحكومي واستشراف مستقبله.
حجزت القمة لنفسها موقعا متميزا على روزنامة أهم الأحداث والفعاليات الدولية، وصارت أكبر تجمع حكومي سنوي عالمي، وأسست نموذجا جديدا للعمل الحكومي على المستويين الإقليمي والدولي، وأرست ممارسات مبتكرة وناجحة في التواصل المباشر مع الناس، مرسخة بجدارة مكانتها كمنصة معرفية دولية ترسم رؤى المستقبل وتهدف إلى الارتقاء بحاضر الحكومات واستشراف مستقبلها وتمكينها من تحقيق التفوق والريادة، عبر ملتقى سنوي يجمع قيادات الدول ورؤساء الحكومات وكبار المسئولين ورواد الفكر وأصحاب الرأي وصانعي السياسات في القطاعين الحكومي والخاص لمناقشة سبل تطوير مستقبل الحكومات، وفقًا لأحدث التطورات والاتجاهات المستقبلية، حيث تحدد القمة لدى انعقادها سنويا برنامج عمل لحكومات المستقبل مع التركيز على تسخير التكنولوجيا للتغلب على التحديات التي تواجه الشعوب.
ولا شك أن هناك رؤية ثاقبة نفذت هي التي جعلت من القمة العالمية للحكومات بابا على المستقبل، من خلال تحليل أحدث التوجهات المستقبلية والتحديات والفرص التي تواجهها البشرية، ومنصة لتبادل المعرفة بين قادة الفكر ومركز للتواصل بين صناع السياسات ومجتمع الأعمال والمجتمع المدني في سبيل تحقيق التنمية البشرية وتفعيل التأثيرات الإيجابية على حياة المواطنين في جميع أنحاء العالم، ولا شك أيضا أن هناك جهودا ضخمة بذلت هي التي أوصلت القمة إلى المكانة التي تتبوأها حاليا والتي جعلت أبرز قادة العالم وكبار مفكريه وصناع سياساته ينتظرون موعد انعقادها سنويا للإدلاء بدلوهم وعرض خبراتهم، واستعراض تجارب دولهم في مجال الإدارة الحكومية، وعرض أفضل الممارسات والحلول الذكية التي تحفز الإبداع والابتكار وتسخرهما لما فيه خير البشر والبشرية.
الرؤية الثاقبة التي تقف خلف هذا المنجز هي بالتأكيد رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، التي جعلت من الإنسان محورا لكافة الخطط والسياسات والقوانين والقرارات.
رؤية جعلت من المستقبل هدفا، ومن استشرافه علما ومن إدارته عملا، بما يضمن في النهاية توقع نتائجه ومخرجاته، في الحكم والسياسة والاقتصاد والمعرفة والتجارة والاستثمار والتعليم وكافة مناحي الحياة.
رؤية تحولت إلى مدرسة فكرية ملهمة في أصول القيادة والإدارة والحكم الرشيد، مدرسة لا تستورد معاييرها ولا تستقيها إلا من تجربته وخلاصة خبرته وعصارة حكمته وفلسفته المتفردة، وهو ما حول القمة حسب تعبيره إلى "أحد أهم الملتقيات العالمية المتخصصة في البحث عن المستقبل وإمكانياته وفرصه"، أما الجهود الضخمة التي ترجمت هذه الرؤية إلى حدث دولي ذي مكانة استثنائية، سواء في طبيعة ما يناقشه من قضايا أو في حجم الحضور وأهميته أو في أهمية ما يخرج عنه من تقارير وتوصيات، فهي وزارة شؤون مجلس الوزراء التي تتولى تنظيم هذه القمة بشكل يقترب من الكمال، مع ما يتطلبه ذلك من وضع لأجندة القمة وتحديد لأولويات النقاش، واستضافة للخبراء والمسؤولين الحكوميين في المجال الحكومي والإدارة الحكومية والمجتمع المدني، وعقد شراكات استراتيجية ووطنية ودولية للمشاركة في القمة لنشر المعرفة والخبرة المكتسبة من أنجح التجارب الحكومية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
وبحضور أكثر من 4000 متخصص من 140 حكومة و85 منظمة دولية و700 شركة عالمية، وبحضور رؤساء دول وحكومات، ونخبة من قادة الفكر والخبراء العالميين؛ انطلقت أعمال الدورة الحادية عشرة للقمة في مدينة دبي، عاصمة المال والأعمال لدولة الإمارات العربية المتحدة، لبحث التوجهات المستقبلية العالمية الكبرى، والمساهمة في تطوير الأدوات والسياسات والنماذج التي تعتبر من ضروريات تشكيل الحكومات المستقبلية.
وفي جلساتها ناقشت دورة هذا العام آليات واستراتيجيات جديدة للعمل الحكومي وتوحيد الجهود للتصدي للتحديات التنموية التي تواجهها المجتمعات الإنسانية، كما استعرضت أفضل التجارب الحكومية في العالم، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والازدهار للبشرية وخدمة الإنسانية بالطرق المثلى
وتحاول القمة التي ستختتم غدا، استشراف مستقبل التكنولوجيا وتأثيرها على حكومات المستقبل، ومستقبل الصحة وجودة الحياة، والبيئة والتغير المناخي، والتعليم وسوق العمل ومهارات المستقبل والتجارة والتعاون الدولي، المجتمعات والسياسة، والإعلام والاتصال بين الحكومة والمجتمع، والذكاء الاصطناعي، وإدارة المؤسسات الاقتصادية والمالية، وقطاع الطاقة، والتغير المناخي
ومن خلال 15 منتدى عالميا، تركز القمة على وضع الاستراتيجيات والخطط المستقبلية، في أهم القطاعات الحيوية التي تهم البشرية، حيث يتم تنظيمها بالشراكة مع عدد من المنظمات الدولية، والمؤسسات التكنولوجية العالمية، والشركات الرائدة، إضافة إلى المؤسسات التي تعنى بابتكار الحلول الجديدة للتحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية. وتشمل هذه المنتديات، منتدى الصحة العالمي، ومنتدى الخدمات الحكومية، ومنتدى الإدارة الحكومية العربية، ومنتدى تبادل الخبرات، ومنتدى مستقبل النقل، ومنتدى المالية العامة للدول العربية، ومنتدى مستقبل التعليم، ومنتدى مستقبل الفضاء، ومنتدى الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة. بالإضافة إلى منتدى الذكاء الاصطناعي، الذي يسلط الضوء على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تشهد تطورا سريعا، ويبحث أبعادها المستقبلية على البشرية.
وتسعى دولة الإمارات إلى وضع استراتيجية عالمية متسقة لحوكمة هذا المجال، سعيا منها لتعزيز تطوره بشكل آمن ورصد آثاره، وهناك أيضا منتدى مستقبل العمل، ومنتدى الاقتصادات الناشئة، ومنتدى حوكمة الجيوتكنولوجيا، ومنتدى أهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى الاجتماع العربي للقيادات الشابة، وفعالية "تايم 100".
كما تستضيف القمة، نقاشات وحوارات عالمية هادفة لاستشراف تشكيل حكومات المستقبل، حيث تتضمن هذه الحوارات اجتماعات الطاولة المستديرة التي تجمع قادة الدول والمسؤولين الحكوميين العالميين والمنظمات الدولية وقادة الفكر والقطاع الخاص، بما يضمن تعزيز التعاون الدولي وتحديد الحلول المبتكرة للتحديات المستقبلية واستشراف أبرز الفرص وإلهام الجيل المقبل من الحكومات. وستُعقد خلال القمة اجتماعات وزارية رفيعة المستوى، منها الاجتماع الوزاري للوزراء المعنيين بالتنمية المستدامة، واجتماع وزاري لمناقشة ملامح الجيل القادم من حكومات المستقبل، واجتماع وزراء المالية العرب، واجتماع تشاوري مع وزراء العمل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واجتماع وزراء الطاقة لمناقشة مستقبل الطاقة الهيدروجينية.
وبعد أن صارت القمة ركيزة للإجماع الدولي حول أهمية التحديث الدائم للعمل الحكومي والخدمات، وبوابة العالم نحو جيل جديد من حكومات المستقبل الذكية، وبعد أن نجحت دوراتها السابقة في وضع حلول عملية وعلمية للتحديات التي تواجهها بعض المجتمعات في العالم في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطوير علاقة الحكومات بالمجتمعات، سيكون العالم وشعوبه وقواه الفاعلة والمهتمين باستشراف مستقبله في انتظار ما سيصدر عن الدورة الحادية عشرة للقمة من تقارير ستشكل مرجعية عالمية لشؤون العمل الحكومي المستقبلي، وهي تقارير ستتضمن بالتأكيد أرقاما ومعطيات وخلاصة دراسات وعصارة أفكار ورؤى تساعد صناع القرار والمسؤولين على رسم استراتيجيات استشرافية للمستقبل وصياغة توجهات محورية تهدف لخدمة سبع مليارات إنسان على وجه البسيطة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة