"المنع المبكر".. استراتيجية دول قللت من آثار كورونا
"العين الإخبارية" ترصد الإجراءات التي اتخذتها دول بعد توغل "كورونا" في أجسام البشر، لتكون نموذجا يحتذى به في تقليل تأثير الفيروس
منذ أصبح تفشي فيروس كورونا في أنحاء العالم كافة هو المسيطر، لم يكن هناك صوت آخر يستطيع أن يلجم هذا العدو الخفي، إلا الإجراءات الصارمة التي تتخذها حكومات الدول لمواجهته.
إجراءات تباينت في شدتها وقدرتها على المواجه بين دولة وأخرى مما كانت لها نتائج إيجابية في دولة وسلبية في أخرى، إلا أن عامل التوقيت وتنفيذ هذه الإجراءات بحسم، كان هو المحك في قدرة كل بلد على الخروج بأقل الخسائر من هذه الجائحة التي لم يشهد مثلها التاريخ المعاصر.
"العين الإخبارية" ترصد في هذا التقرير دول عدة تمثل في هذه المرحلة، وبعد التوغل الدولي لـ"كورونا" في أجسام البشر، نموذجا يحتذى به في تقليل تأثير هذا الفيروس الفتاك.
"فيتنام والمنع المبكر"
لعبت الخبرة التي تمتعت بها دولة فيتنام مع "الجوائح" الماضية بداية من فيروس سارس عام 2003، مرورا بإنفلونزا الطيور عام 2010 بجانب جائحات كبيرة من الحصبة وحمى الضنك، دورا كبيرا في تقليل تداعيات، وأثار كورونا حيث بدأت منذ الحديث عن الفيروس باتباع استراتيجية "المنع المبكر للمرض".
واتخذت فيتنام إجراءات، ربما تأخرت فيها دول أخرى، حيث فرضت قيودا على السفر، وأغلقت الحدود مع الصين المجاورة بعد إجراءات مراقبة تلك الحدود.
كما كثفت من إجراء اختبارات صحية للكشف عن الفيروس على الحدود، وفي أماكن أخرى معرضة لنقل المرض.
وأغلقت المدارس في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وحتى منتصف مايو/آيار الجاري، وبدأت حملة واسعة لتعقب الوافدين وتتبع المصابين، ورغم حدودها الطويلة مع الصين، منبع ظهور الفيروس، وكثافتها السكانية التي تقارب 97 مليون نسمة، إلا أنها "فيتنام" لم تسجل سوى نحو 300 إصابة بكوفيد-19، دون أن يؤدي هذا المرض بحياة شخص واحد أي صفر وفيات.
وكان سلاح العزل الصحي، في مراكز حجر لمدة أسبوعين على كل من يدخل البلاد، هو بداية القصيدة في فيتنام منذ منتصف شهر مارس/آذار الماضي، كما أجرت فحوص الكشف عن الفيروس لكل من تواصل مع إصابة مؤكدة.
الوقاية هي دائما خير من العلاج وأرخص بشكل عام، وإرسال الرسائل عبر الهواتف وتعظيم دور الكوادر الحزبية في الأحياء وفرض التباعد الاجتماعي والحجر، أساليب استخدمتها الحكومة في فيتنام لتكون في مرحلة الدفء بعيدا عن جائحة ليس لها عنوان، والأن تستعد لرفع كل القيود وعودة الحياة لطبيعتها.
اليابان... الثقافة الصحية
رغم عودة معدلات الإصابة الارتفاع مؤخرا، واضطرار رئيس الوزراء شينزو آبي إلى إعلان حالة الطوارئ في أجزاء كبيرة من البلاد في السابع من أبريل/نيسان الماضي، احتلت اليابان المرتبة الثانية في الجانب الصحي من مؤشر "ليجاتوم للازدهار" مما دفع إلى الإشادات الدولية باحتواء الحكومة لكورونا مبكرا.
ولم تقرر اليابان بعد، فرض الحجر الصحي، ولم تجر الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس إلا على الحالات الحرجة، لكن وعي اليابانيين الصحي المتجذر في ثقافتهم ساهم، في الحد من تبعات أزمة كورونا المستجد.
ويعتاد معظم الشعب الياباني على ارتداء الكمامات في فصلي الشتاء والربيع، ويخضع ما يزيد على 60 في المئة منه لفحوص طبية سنويا.
كوريا الجنوبية والذكاء الاصطناعي
ساهم احتلال كوريا الجنوبية، المرتبة الرابعة في الجانب الصحي من مؤشر "ليجاتوم للازدهار"، وخبرتها في احتواء فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام 2015 في أن يجعل الحكومة الكورية على أهبة الاستعداد للتعامل مع جائحة كورونا المستجد.
كما مهد توفير أدوات الذكاء الاصطناعي لمقدمي الرعاية الصحية، وانخفاض تكاليف الخدمات الطبية بفضل نظام التأمين الصحي الوطني الشامل، الطريق لأنظمة الرعاية الصحية والمستشفيات لتكون مجهزة للاستجابة للأزمة.
وأجرت كوريا الجنوبية فحوصات مخبرية لأكثر من 450 ألف شخص، مما جعل الإصابات المسجلة يوميا في الأيام الأخيرة 53 حالة.
ألمانيا وسياسة الفصل
رغم أن ألمانيا وبحكم موقعها في منطقة شهدت أعلى معدلات إصابة بكورونا، ساهم حلولها في المرتبة 12 في الجانب الصحي من مؤشر الازدهار، وإجراء فحوصات مخبرية للمواطنين على نطاق واسع، في نجاح الدولة في الفصل بين المرضى، سواء كانوا يعانون من أعراض أو لم تظهر عليهم أعراض، وبين الأصحاء، وهو ما مكنّها من الحد من تفشي العدوى.
كما ساهمت الإجراءات وغلق الحدود والتوعية للألمان، في أن تكون معدلات الوفيات جراء الإصابة بكورونا في هذا البلد أقل من كثير من البلدان الأوروبية المجاورة.
انخفاض معدلات الإصابة في ألمانيا، جعل خبراء الصحة يحذرون من نتائج عكسية، لأنه يشير إلى قلة عدد السكان الذين اكتسبوا مناعة من الفيروس، ومن ثم قد تشهد البلاد موجة تفش ثانية ما لم تتوخ الحذر، مما جعلهم يشددون على ضرورة عدم تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي أو رفع القيود على حركة المواطنين ما لم يتم القضاء بالفعل على حالات الإصابة من خلال علاج المصابين بالعدوى.
أستراليا ومبدأ الأولويات
مع بداية ظهور كورونا في البلدان المجاورة لأستراليا، وضعت الحكومة استراتيجية للتعامل مع الأزمة، كانت على أساس مبدأ الأولويات من خلال قرار حكومي بتأجيل الجراحات غير الضرورية، لتخصيص المستشفيات الخاصة لعلاج مرضى الفيروس.
القرار الحكومي ساهم في أن تضاعفت القدرة الاستيعابية لنظام الرعاية الصحية، مع تقديم دعم مالي للمستشفيات الخاصة أيضا في مقابل استخدام أسرّتها وطواقمها الطبية لمواجهة الجائحة.
ووضعت الحكومة إجراءات مبكرة لتعقب المصابين، كما ألزمت العائدين من الخارج أو الأشخاص الذين خالطوا مصابين بالخضوع للحجر الصحي، بالإضافة إلى غلق جميع أماكن الترفيه والملاهي وغيرها، مما ساهم في تقليل أعداد المصابين على المدى الطويل عبر الحد من انتقال العدوى.
وبعد مرور مرحلة الخطر وانخفاض عدد الإصابات اليومية، بدأت الحكومة في تخفيف إجراءات الحجر الصحي تدريجيا تمهيدا لعودة الحياة الطبيعية.
سنغافورة ولعنة المهاجرين
مع بداية تفشي كورونا، ظهرت سنغافورة في مصاف الدول التي تعد نموذجا يحتذى به وتمكنت السلطات هناك من السيطرة على الموقف وكادت بفعل الإجراءات الاحترازية أن تعلن الحكومة انتهاء كورونا بأقل الخسائر.
وبالفعل أعلنت أوائل شهر مايو/آيار الجاري أنها ستبدأ في غضون أسابيع تخفيف القيود التي فرضت من أجل احتواء الفيروس كخطوة أولى نحو إعادة فتح الاقتصاد.
ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن، حيث ارتفعت في الآونة الأخيرة معدلات الإصابة اليومية نتيجة لضعف الإجراءات الصحية في صفوف العمال المهاجرين الذين يعيشون في مساكن ضيقة.
وأصبحت سنغافورة من أكثر الدول من حيث عدد الإصابات في آسيا، والسبب الرئيسي هو تفشي المرض في مساكن العمال المهاجرين المكتظة، فيما تمكنت السلطات من الحد من انتشار المرض بين السكان خارج هذه المساكن.
ويعيش ما يقدر بنحو 200 ألف عامل مهاجر في 43 مجمعا سكنيا في سنغافورة، معظمهم من الهند وبنجلاديش، ويعملون في وظائف منخفضة الأجر، مثل التشييد وبناء السفن والتنظيف.
aXA6IDMuMTMzLjE1MS45MCA= جزيرة ام اند امز