بعد الحرب والزلزال.. كيف تضررت الآثار التاريخية في سوريا؟ (خاص)
لم تعد شذى تتمكن من شرب القهوة كل صباح والتمتع بالإطلالة الخلابة لبساتين منطقة حارم شمال غرب سوريا بعد الزلزال المدمر.
تقول شذى في حديثها لـ"العين الإخبارية": "كان منزل عائلتي هو بمثابة هوية لازمت العائلة منذ أكثر من 160 عاما تعاقبت فيه عائلتنا القديمة وحافظت عليه كرمز متوارث بين الأجيال إذ أكثر ما يميزه هو الحجارة الكبيرة المبنية منها الجدران والرسوم التي تحويها والأقواس والقباب المشغولة بطريقة لا تخلو من روعة ودقة تعاظم جمالها على مر السنوات حتى جاء الزلزال وخرب كل شيء وأخذ معه الإرث الذي يصعب ترميمه سيما في قلب والدي الذي تركت التصدعات في الجدران في قلبه جرحا يصعب أن يندمل مع الزمن".
لم تقتصر نتائج الزلزال في سوريا على البشر والممتلكات والبنى التحتية فحسب بل تسبب الزلزال بضرر كبير لحق بالموروث التاريخي والأبنية الأثرية المنتشرة على نطاق واسع في المدن والبلدات التي ضربها زلزال السادس من فبراير/ شباط 2023.
وبحسب الباحث التاريخي تركي مصطفى فإن الزلزال تسبب بدمار ملحوظ في الأوابد الأثرية في محافظات إدلب وحماة وحلب واللاذقية، الأمر الذي شكل صدمة للباحثين والمختصين وبات مصدر قلق على الأماكن الأثرية التي تمثل الهوية التاريخية والموروث المعماري والحضاري للسوريين.
ويوضح مصطفى أن محافظة إدلب شهدت تضررا في عدة أماكن أثرية أبرزها قلعة حارم الأثرية التي تضرر سورها الخارجي حيث تعود القلعة للعهد البيزنطي وفتحها المسلمون أيام الدولة الأيوبية وشيدوا عدة مبان ضمنها كما وصل ضرر الزلزال للواجهة الخارجية لكنيسة القنية إذ تصدعت الواجهة وأعلى الباب الرئيسي وبعض الجدران التي تعاقب عليها التاريخ منذ الدولة البيزنطية الأولى، وتدل الآثار الموجود ضمنها على أن سكانها كانوا من المسيحيين، وتتبع مباشرة للكنائس الغربية.
وفي حديث خاص لـ"العين الإخبارية" يلفت مصطفى إلى أن مدينة سلقين تحوي العديد من الأوابد والمنازل القديمة التي ارتبطت بالإمبراطور اليوناني سلوقس الأول في العهد الهلنستي خرب بعضها الزلزال وهدم أجزاء منها حالها كحال مدينة حارم التاريخية والتي تتفاوت عصور بناء بعض منازلها وشواهدها التاريخية.
تصف شذى حالة والدها بالحيران والحزين دائما كلما نظر إلى جدران منزل أجداده وأبيه ودائما يقول: "لم أستطع الحفاظ على المنزل من الخراب وكأنه يحمل نفسه مسؤولية ما لحق بالمنزل من ضرر متناسيا أن الزلزال دمر وقتل الكثير من السوريين".
وبحسب دائرة الآثار في اللاذقية فإن الزلزال ترك أثرا بالغا وضررا كبيرا في قلعة صلاح الدين الشامخة في منطقة الحفة بالساحل السوري إذ انهار أحد الأبراج وتضرر السور الخارجي للقلعة التي أدرجت على لائحة التراث العالمي في العام 2006.
وفي محافظة حلب قالت دائرة الآثار هناك إن أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل قلعة حلب حدث بها تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية.
وسقطت كذلك أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي الواقع داخل القلعة التي تضررت مداخلها وسقطت أجزاء من حجارتها ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي.
يقول الباحث التاريخي تركي مصطفى إن التل المشيد عليه قلعة حلب يعود للألفية الثالثة قبل الميلاد وتعاقبت عليه العديد من الحضارات كالإغريقية والبيزنطية والمملوكية والأيوبية وأدرجت اليونسكو قلعة حلب على لائحة التراث العالمي في العام 1986.
ولم يكن للزلزال وحده تأثير على آثار وتاريخ سوريا وأوابدها بل كان للحرب المستعرة لأكثر من 12 عاما تأثير واضح على الآثار والأماكن التاريخية التي تعرضت لعمليات قصف ونهب وسرقة وتدمير سيما في قلعة أفاميا بريف حماة وقلعة تدمر في محافظة حمص والتي تمركز بها تنظيم داعش الإرهابي وخرب الكثير من التماثيل والمنحوتات التاريخية.