"الزلزال ضرب قلوبنا".. سوريون يروون حكاية رعب "عابرة للقارات" (خاص)
على بعد 13300 كيلو متر تقريبا من دمشق، بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، في أميركا الجنوبية، جلست ليال عمران تحاول فهم ما حدث في بلدها.
تجري ليال اتصالات عديدة للاطمئنان على أقاربها وأصدقائها، بعد أن قرأت خبر وقوع زلزال مدمر في تركيا وسوريا.
تقول الشابة السورية التي ولدت في الأرجنتين من أب وأم سوريين مغتربين خلال اتصال هاتفي مع "العين الإخبارية": "كنت أتفقد آخر الأخبار قبل موعد نومي حوالي الساعة 12 بتوقيت بيونس آيرس (الساعة السادسة صباحاً بتوقيت دمشق)، عندما قرأت خبر زلزال وقع قبل نحو ساعتين، كان الحديث يدور حول تركيا في البداية، قبل أن أدرك أنه ضرب بلدي سوريا أيضاً، لم تكن الأخبار التي قرأتها كافية لرسم صورة واضحة حول ما جرى".
خلال حديثها، تروي ليال، والتي تزور سوريا بشكل دوري، ساعات القلق التي عاشتها خلال تقصيها عن الأمر، تقول: "اتصلت بعشرات الأشخاص، بعضهم لم يجب على اتصالي، كل ما كنت أريده في تلك اللحظة سماع صوت أو رسالة تشير إلى أنهم بخير". تصف الشابة السورية تلك الساعات بقولها: "ساعات عصيبة جداً، دارت في رأسي عشرات الأفكار التي لا أريد تذكرها، اختبرت أحاسيس غريبة، مزيج من القلق والخوف والاضطراب والعجز".
مع مرور الوقت، ومع زيادة وتيرة الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلام، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، "كان القلق يزداد، شعرت وأنا أتابع ما جرى أن الزلزال أصابني، لا أستطيع شرح ما عشته"، وتتابع: "في تلك اللحظة يجد الإنسان نفسه محتاراً بين الإلحاح في السؤال لطمأنة نفسه، وبين محاولة تقديره لحجم المصاب الذي ألم بأحبتنا، كنت أريد أن أحدّث الجميع دفعة واحد، وفي نفس الوقت أحاول إفساح مجال لهم ليقوموا بتأمين أنفسهم، تمنيت لو كنت بينهم في تلك اللحظة، لأطمئن عليهم وأحاول مساعدتهم".
وعلى بعد نحو 4 آلاف كيلو متر من سوريا، في هولندا التي تستضيف آلاف العائلات السورية اللاجئة، عصف الزلزال بالسوريين الذين فقد قسم منهم أحبته على امتداد خط الزلزال، سواء في تركيا التي لجأ إليها أكثر من 3 ملايين سوري، أو في إدلب واللاذقية وحماة وحلب.
تقول الشابة هناء مصطفى، والتي يعيش أشقاء وأقرباء لها في حلب واللاذقية: "وصلتني رسالة صوتية من أحد أعز أقربائي، كانت تبكي بحرقة وتخبرني فيها أنها تحبني، كانت تشبه الرسائل الوداعية، كما أخبرتني أن زلزالاً مدمراً وقع". سمعت هناء التسجيل الصوتي وهي شبه نائمة، حيث تسبق دمشق بتوقيتها أمستردام بساعتين، تشرح: "لم أستوعب الأمر، قفزت من السرير، بدأت أحاول الاتصال لأفهم، أجريت اتصال فيديو، رأيت التشققات في المبنى، حالة الرعب والهلع التي عاشتها سوريا، عشتها معهم، تقريباً".
تصف الشابة التي تدرس إدارة الأعمال، وتعمل في إحدى الشركات لـ"العين الإخبارية"، مشاعرها التي عاشتها خلال وقوع الزلزال وما بعده بأن الأمر يشبه "كسراً في القلب، ألم مستمر فيه، قلق، والكثير من الدموع".
أرسلت الجامعة التي تدرس فيها رسالة إلكترونية لجميع الطلاب تعلن تضامنها مع كل من تضرر من الزلزال، بالإضافة إلى تخصيص طرق عدة لتقديم الدعم النفسي لمن فقد قريبا أو حبيبا أو صديقا، وهو الأمر ذاته الذي قدمه زملاؤها في الشركة، الذين عرضوا تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدة، تقول الشابة السورية: "الهولنديون أشخاص واضحو التعبير، لا يحبون النفاق الاجتماعي، هذا طبعهم، عندما يعربون عن تضامنهم، ويعرضون تقديم المساعدة فهم يعنون ذلك. كذلك بدأت بلديات عدة حملات تبرع وجمع تبرعات على المستوى الشعبي للمتضررين في تركيا وسوريا، وفق ما أكدت الشابة، التي ذكرت أن ثمة أصواتا مرتفعة نادت برفع أو تجميد العقوبات لتسهيل وصولها.
أما في الإمارات، والتي كانت من أولى الدول التي سارعت لتقديم يد العون لسوريا، والتي تحتضن آلاف السوريين الذين يعملون فيها، فثمة حكايات كثيرة لأشخاص فقدوا أقرباء لهم، أو واكبوا قلق وتشرد وخوف من يحبون في مدنهم.
نائل شنون، أحد هؤلاء السوريين الكثر، يقول لـ"العين الإخبارية": "أهلي يعيشون في حلب، ولي أقرباء وأصدقاء وأحبة في كل المدن التي تعرضت للكارثة"، ويضيف: "أبي وأمي يعيشون في شقة أرضية، وأخي في الطابق السادس، كنت أحاول الاطمئنان عليهم، كانت يدي ترتجف بينما أحاول الوصول إلى أرقامهم، استغرق الأمر حوالي نصف ساعة قبل أن أتمكن من الاطمئنان عليهم، كانت هذه الدقائق الثلاثون وكأنها ثلاثون سنة".
خلال حديثه، لا يمنع الشاب الذي يعمل في الإمارات منذ نحو 18 عاماً، دموعه من الانهمار، يصمت بعض الشيء قبل أن يشرح أن جميع أفراد عائلته في حلب بخير، باستثناء الأضرار في المنازل، في وقت خسر فيه أحد أعز أصدقائه في الإمارات قريباً له في تركيا، ويتابع: "لا يوجد شعور أصعب من الشعور بالعجز، العجز الذي رافقنا منذ اللحظة الأولى لوقوع الكارثة، العجز الذي يرتفع شعورنا به ونحن نتابع الكوارث التي خلفها هذا الزلزال، والتي لا نملك وسيلة للتعبير عنها سوى الدموع".
وبتعبير يشابه إلى حد كبير ما وصفه نائل، تشرح مي نويلاتي، مشاعرها لحظة معرفتها بالكارثة، وتقول السيدة التي تعمل مدرّسة في مدينة العين، ويعيش ابنها الوحيد بعيداً عنها في اللاذقية: "لا يمكن وصف ذلك الوقت الذي عشته وأنا أحاول الاطمئنان على ابني، لم يكن يُجب على اتصالي، كنت أحاول الصمود ومنع نفسي من الانهيار"، وتضيف: "لم تهدأ مشاعري بعد أن عرفت أنه بخير، لدي مئات الأحبة والأقارب والأصدقاء في اللاذقية، مدينتي التي ولدت وكبرت فيها، أمسكت هاتفي وبدأت أحاول التواصل مع الجميع".
تصمت نويلاتي برهة قبل أن تشرح "خلال حديثي مع طفلي، أخبرني أن الأمر يشبه الجلوس في لعبة الديسكو إحدى ألعاب مدينة الملاهي، عندما كان يمسك بيدي، أخبرني أنه كان يمسك بالسرير خشية السقوط، لم تكن يدي بجانبه!".
وكما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً في تبادل رسائل الاطمئنان، لعبت أيضاً أدواراً في شرح حجم الكارثة، عبر الصور والفيديوهات، والتي ذكرت نويلاتي أنها مازالت تقلب بينها باستمرار، تراقب حجم الدمار، تتأمل صور المشردين الذي هربوا خوفاً من منازلهم التي يفترض أن تكون أكثر الأماكن أماناً لهم، تقول: "عندما تكون بعيداً عن الكارثة قد تظن نفسك ناجياً، ولكنك في الحقيقة مصاب مثلهم تماماً، هذا الزلزال لم يضرب منطقة جغرافية فحسب، بل ضرب القلوب، قلوبنا جميعاً في أي مكان كنا".