"ابن النفيس".. رائد في مجال الطب أوصى بإضاءة شموع العلم من بعده
عالم كبير أسهم في دحض مفاهيم علمية خاطئة باكتشافه الدورة الدموية الصغرى التي تفيد بأن الدم لا يتكون في الكبد كما كان شائعا.. تعرف عليه.
قبل أن يُودع عالمنا، كان قد ترك فيه علما واسعا يُنتفع به، هو واحد من أبرز العلماء المسلمين في عصره، العالم "ابن النفيس"، الذي اقترن اسمه بإسهامات رائدة في مجال الطب لا سيما اكتشاف الدورة الدموية الصغرى.
تعود أهمية هذا الاكتشاف في أنه مهّد الطريق لاكتشاف الدورة الدموية الكبرى فيما بعد بواسطة العالم ويليام هارفي، ويُلخص ابن النفيس نظريته قائلا: "إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل؛ حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر".
كما تعود أهمية هذا الاكتشاف في أنه أنهى اعتقادا سائدا وساريا من قبل نظريته بأنه الدم يتكون في الكبد أولا ومنه إلى البطين الأيمن في القلب، وليس القلب هو المتحكم في عملية ضخ الدماء.
دمشق والقاهرة
كان ابن النفيس نموذجا للعالم الموسوعي، المُطلع على علوم شتى والمُبحر فيها أيضا، فعلى الرغم من تفرده الطبي، حتى إنه يُعَد الرجل الفيزيولوجي الأول خلال العصور الوسطى الإسلامية؛ فإنه كان له باع في علم الحديث، والفلسفة والفقه، حيث درس العلوم الدينية دراسة واسعة، معتمدا على المنهج العقلاني في دراسة نصوص الكتاب والسنة، كما قام أيضا بدراسة فقه الإمام الشافعي دراسة شاملة.
في مدينة دمشق كان مولده وذلك عام 607 هجريا، الموافق 1213 ميلاديا، وعلى الرغم من النشأة السورية؛ فقد اشتهر بالقاهرة حيث انتقل إليها في وقت مبكر حتى توفي بها.
تفرغ ابن النفيس للعلم والمستشفى المنصوري بالقاهرة الذي بناه السلطان قلاوون، حتى بات كبير الأطباء بها، وصار من نبوغه ولمعان صيته الطبيب الخاص للسلطان الظاهر بيبرس.
كلمات ووصايا
لم يكتفِ ابن النفيس بممارسة الطب وأبحاثه العلمية، بل دشّن في القاهرة دارا ضخمة متخصصة في العلوم، أخذ ينفق عليها من ماله الخاص حتى أصبحت أشهر دور العلم بالقاهرة والعالم الإسلامي، وكان يحضر بها الأمراء من أقاصي البلاد لتلقي العلم على يد ابن النفيس.
كانت العلوم هي الشغف التي أنفق بها عمره، ومع ذلك لم يستطع رغم أنه كان أحد كبار أطباء عصره أن يداوي المرض العضال الذي ألمَّ به في نهاية عمره، بل للعجب توفي في المستشفى المنصوري الذي كان يعمل به كبيرا للأطباء.
ومن المواقف الأثيرة التي ارتبطت بسرته أن الأطباء حاولوا أن يقوموا بعلاجه من مرضه الأخير عن طريق الخمر، وهو ما رفضه رفضا شديدا، وقال عندها عبارته الشهيرة: "لا ألقى الله وفي جوفي شيء من الخمر".
ووافته المنية عن عمر يناهز 75 عاما في 687هـ - 1288م، وظل يكرر وصيته حتى نهاية محطته في الدنيا لتلاميذه "إن شموع العلم يجب أن تضيء بعد وفاتي".