نصيحة «العريان» للرئيس الأمريكي المقبل.. 5 أمراض اقتصادية تحتاج للعلاج
إن طبيعة الحملات الانتخابية تتلخص في أن السياسيين، أيا كانت نقطة انطلاقهم، يميلون إلى المزيد من الشعبوية، ويعدون بأشياء كبيرة، ويكونون مقتصدين في تفاصيل السياسات.
ولم تكن حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية مختلفة لعام 2024، ولكن أيا كان الفائز، فلن تكون لديه فرصة للوفاء بوعوده إلا إذا صاغ تفاصيل محددة لمعالجة خمسة مجالات تؤثر على الاقتصاد في المستقبل، بحسب ما جاء في مقال للخبير الاقتصادي د.محمد العريان ونشرته الفايننشال تايمز.
ووفق التحليل الذي قدمه "العريان" فقد أدلى المرشحون الرئاسيون هذا العام بالعديد من التصريحات السياسية الطموحة، حتى أنهم اتفقوا على بعضها، مثل خلق فرص العمل، وإنهاء التضخم، وحماية الشركات المحلية، وإلغاء ضريبة الإكرامية وتحسين القدرة على تحمل تكاليف الإسكان.
كما اختار دونالد ترامب تخفيضات ضريبية إضافية، وتحرير تنظيمي طموح، ورسوم جمركية مرتفعة، وخفض الإنفاق الفيدرالي، وتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري، والحد من المبادرات البيئية.
وركزت كامالا هاريس على خفض تكلفة الرعاية الصحية وتحسين الوصول إليها، ومحاربة احتكار الشركات للأسعار، وتوسيع الاعتمادات الضريبية وإنشاء صندوق للابتكار.
ولكن كل من هاريس وترامب يفتقران إلى التفاصيل اللازمة للوفاء بوعودهما، وهذا ليس بالأمر الذي ينبغي تركه دون معالجة، حتى في اقتصاد تفوق على أداء البلدان المتقدمة الأخرى. وهناك حاجة إلى اتخاذ تدابير في خمسة مجالات لتحقيق فرصة جيدة للوفاء بالوعود، وفق مقال الدكتور محمد العريان.
الحفاظ على النمو
أولا، يتعين على الرئيس القادم أن يجد وسيلة للحفاظ على النمو مع إعادة تموضع الاقتصاد للاستفادة من محركات الرخاء في المستقبل.
وهذا ينطوي على إزالة المكابح عن المحركات الاقتصادية القائمة، مثل التصنيع والخدمات، وتعزيز مصادر النمو في المستقبل من خلال دعم النشر الذكي للابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والطاقة الخضراء، والدفاع، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي.
وينبغي تقييم كل من قانون خفض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية من أجل تصحيح المسار لتحقيق أهداف إعادة الهيكلة.
وينبغي أن يكون هذا مصحوبا بنهج تنظيمي أكثر ديناميكية لتعزيز الابتكار وفهم أفضل لمخاطر التوازن بين فقدان الوظائف والجانب الإيجابي لتعزيز المهارات.
عجز الموازنة
يقول د. العريان في مقاله، إن التحدي الثاني يتلخص في التعامل مع العجز المرتفع في الموازنة والديون المتزايدة بسرعة.
ولقد كان من غير المتصور ذات يوم أن تمر الولايات المتحدة بثلاث سنوات تقريبا بمعدل بطالة يبلغ نحو 4% أو أقل كثيرا ومع ذلك تسجل عجزا في الموازنة يتراوح بين 6% و8% من الناتج المحلي الإجمالي.
مع الإشارة أن الوقت ليس مناسب أبدا لخلق ثغرات إضافية تعظم من أزمة الموازنة الأمريكية في المستقبل.
ولكن سواء كان العجز الحالي يتجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي أو الدين الحكومي عند 120% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن كليهما يسير على مسار غير مستدام في نهاية المطاف.
إن الأمر لا يتعلق فقط بحجم الاختلالات، بل إن الإدارة القادمة تحتاج إلى بناء قدر أعظم كثيرا من المرونة التشغيلية للمالية العامة التي تفتقر إلى المرونة الكافية.
وهذا يتطلب إصلاحات للنظام الضريبي، بما في ذلك إزالة الإعفاءات المشوهة والتحيزات المناهضة للنمو، وترشيد الإنفاق، وتحرير المزيد من الموارد للاستثمار والاحتياطات الاحترازية.
العقلانية في السياسات الاقتصادية
ثالثا، يتعين على المرشحين مقاومة الإفراط في استخدام الأدوات الاقتصادية التي يفضلونها.
وبالنسبة لهاريس، يعني هذا تجنب الإفراط في التنظيم والسياسة الصناعية الصريحة، وبالنسبة لترامب، يعني هذا احتواء استخدام التعريفات الجمركية والتخفيضات الضريبية.
استعادة المكانة الاقتصادية
رابعا، يتعين على الإدارة الجديدة أن تعمل على استعادة الزعامة الأمريكية الموثوقة في قلب النظام الاقتصادي والمالي العالمي، ولا يتعلق الأمر هنا بإيديولوجية عالمية.
بل يتعلق الأمر بمكافحة التفتت الذي يعرقل النمو والأمن الوطني في أمريكا، كما أن هناك حاجة إلى مشاركة أميركية نشطة لتطوير استجابات مشتركة للتهديدات المشتركة، والبديل هو التعرض بشكل أكبر لصدمات أكثر تواترا وأكثر عنفاً.
التواصل السليم
خامسا، إن الاحتياج الأخير يتعلق بالتواصل السليم، فما عليك إلا أن تنظر إلى المملكة المتحدة لترى كيف يمكن لمبادرة اقتصادية طموحة أن تقع ضحية للتعتيم.
لقد تعلمت إدارة بايدن-هاريس هذا الدرس بالطريقة الصعبة عندما حذت حذو بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2021 عندما وصفت التضخم خطأ بأنه "مؤقت" فقط لترى ارتفاعه إلى أكثر من 9٪.
وتمكن ترامب من التعامل مع الأمر بشكل أفضل في أعقاب فوزه في الانتخابات عام 2016 مباشرة عندما حولت نبرته التصالحية بشأن الاقتصاد، خسائر سوق الأسهم إلى مكاسب ووضعت سردًا اقتصاديًا خدمه جيدًا منذ ذلك الحين.
ويجب أن نعلم المبالغة في الوعود في الحملات الانتخابية ليست جديدة ولا غير متوقعة، والقضية الآن هي أن يتحول المرشح الفائز من الوعود إلى التطبيق الاقتصادي خشية أن تفقد الولايات المتحدة استثنائيتها الاقتصادية ويفقد العالم قاطرة النمو الرئيسية الوحيدة لديه.