شهدت قمة "مجموعة العشرين" التي استضافتها الهند، مؤخراً، الإعلان عن مشروع اقتصادي جديد تتشارك فيه كل من: دولة الإمارات مع الهند والسعودية والأردن وإسرائيل.
والمشروع مدعوم رسمياً وبقوة من الولايات المتحدة الأمريكية الراغبة في العودة إلى منطقة الشرق الأوسط.
ويهدف "المشروع" إلى تأسيس ممر اقتصادي لوجستي لنقل السلع والطاقة، ويربط غرب آسيا بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عبر الدول الآسيوية.
ولأن المشروع يحظى باهتمام أمريكي، فإن أبعاده تتجاوز الإطار الاقتصادي المباشر الذي تستند إليه أهداف وملامح المشروع، حيث يمكن بسهولة ملاحظة أن المشروع يقدم نموذجاً للتعاون الاقتصادي متعدد الأطراف، ينافس المشروع الصيني "الحزام والطريق"، حيث الفكرة الرئيسية تكاد تكون واحدة، كما أن الأهداف المراد تحقيقها متشابهة، والفارق الوحيد، والمهم بالطبع، هو الطرف أو الأطراف المستفيدة من هذا المشروع أو ذاك.
هذه المقارنة جاءت على خلفية ما صرح به جاك سوليفان مستشار الأمن القومي، حول الصلة بين المشروع الجديد والتنافس الأمريكي مع الصين. حيث تبدي واشنطن اهتماماً رسمياً كبيراً بالمشروع الجديد كما لو كانت الراعي الرسمي له. وهو ما يكشف عن أن الأبعاد السياسية للممر الجديد حاضرة وربما تسبق الحسابات الاقتصادية، على الأقل في التقدير الأمريكي.
لكن بنظرة متعمقة لمجريات الواقع العالمي حالياً، وبالرجوع إلى أدبيات التنمية وأساسيات النهوض نجد أن التنافس أو التعارض المفترض بين مشروعي "الحزام والطريق" و"الممر الاقتصادي" الجديد، ليس صحيحاً. فهي فرضية ناتجة عن وجود تنافس بل صراع أمريكي-صيني قائم بالفعل في مختلف المجالات ويكاد يشمل أرجاء الكرة الأرضية كلها.
بالتالي فإن تعارض المصالح لن يكون بسبب التشابه الناجم عن وجود مشروعين تنمويين لممرات اقتصادية تنتشر حولها مناطق لوجستية واستثمارية وتتوزع بموجبها مشروعات فرعية تضم صناعات مغذية وأنشطة خدمية، وإنما التعارض سابق على المشروعين وقائم بالفعل بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، القوتين الكبيرتين عالمياً.
فإذا نظرنا بهذا الحياد إلى مشروع الممر الاقتصادي الجديد المقترح، نجد أنه يتخذ مساراً مختلفاً عن "الحزام والطريق"، وإن كان هذا الأخير أكثر اتساعاً ويضم مسارات رئيسية وفرعية وليس محصوراً في عدد محدود من الدول كما هو حال "الممر الاقتصادي".
ووفقاً لما هو معلن، سينشط الممر الجديد في نقل الطاقة وبعض المكونات التكنولوجية مثل أشباه الموصلات والشرائح الإلكترونية. بينما نطاق "الحزام والطريق" أوسع ويشمل حزمة كبيرة من السلع والخدمات التي ستشارك في تقديمها الدول التي يمر بها المشروع.
كما أنه ليس مشروعاً للنقل أو للتجارة فقط وإنما مشروعاً تنموياً متكاملاً يضم استثمارات متنوعة ونقاط تجارة حرة ومناطق صناعية متكاملة ومنسقة معاً على امتداد مسار المشروع.
المقصود، أن الاختلاف ليس في المسار ولا في الدول المستفيدة والمشاركة فقط، لكن أيضاً طبيعة وأجندة كل من المشروعين مختلفة.
وبالتالي فإن إصدار حكم قاطع بأن كل من المشروعين ضد الآخر أو منافس له، به كثير من المبالغة، وهو ما يؤكد تأثير "السياسة" على التقييمات الاقتصادية. بينما الحكمة تقتضي القول إن أي جهد أو توجه تنموي سواءً كان شاملاً أو اقتصادياً فقط، لا يمكن أن يشكل مصدر خطر أو تأثيراً سلبياً على أي جهود مشابهة، بل على العكس التنمية بطبيعتها تكاملية وليست فردية.
ولا شك أن التحديات العالمية التي مر بها العالم مؤخراً، تثبت بشكل لا يقبل الجدل، أن مستقبل العالم واحد ومصيره كل لا يتجزأ واستحقاقاته مشتركة.
وكما فرضت التطورات والتحديات على العالم التكاتف والعمل المشترك لمواجهتها، فإن السعي إلى التنمية والارتقاء بحياة البشر وتحسين أحوال الشعوب، لا يمكن أن يحدث إلا بتكامل الأدوار وتنوع المسارات وتعدد المشروعات.
فمن ناحية، لا يمكن لمشروع واحد ولا دولة واحدة، القيام بكل الأدوار وتحمل مسؤولية التنمية في العالم كله بشكل حصري، ومن ناحية ثانية، تختلف احتياجات الشعوب وتتنوع متطلبات تنمية الدول.
بالنسبة لي لا أجد مبرراً مطلقاً في افتراض تعارض المشروعين "الحزام والطريق" و"الممر الاقتصادي". بل العكس هو الصحيح، أو هكذا يجب أن يفكر الجميع.
النقطة الأكثر أهمية في هذه القضية هي أن ما تقوم به دولة الإمارات، أنها تتعاطى مع الجميع بعقل متفتح وواعٍ مع المشروعين باعتبارهما يخدمان التنمية التي تصب في مصلحة الإنسان، ولا مشكلة لديها أو حسابات سياسية مسبقة مع أو ضد أي من الأطراف المؤسسة أو المعنية بهذا المشروع أو ذاك. وإنما قرارها في هذا المجال يخضع فقط لحسابات المكسب والخسارة المتوقع على: الاستقرار والأمن والتنمية لشعوب العالم الأخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة