مع استمرار مهام وعمل التجمعات الدولية المهمة، وأهمها مجموعة العشرين، ومجموعة السبع وتجمع البريكس، وغيرها يثار سؤالا مهما حول طبيعة ما يتشكل في الوقت الراهن.
خاصة، وأن استمرار انعقاد التجمعات المتخصصة وأهمها مجموعة العشرين، والتي أنهت فعالياتها مؤخرا في ظل تباين لافت بين الدول الكبرى، وغياب لافت من الصين، واستمرار التجاذبات الكبيرة بين الولايات المتحدة ودول الناتو، وبين روسيا من جانب آخر، مما يؤكد أن التوصل لمنظومة واحدة متوافق عليها في الحد الأدنى غير متوافرة، ولن تتواجد في المدى القصير في ظل استمرار وتصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وسياسات دول الناتو في مواجهة روسيا، واستمرار التصعيد الصيني في منطقة بحر الصين الجنوبي.
ما يؤكد على أن استمرار التجمعات في تأدية دورها سيحتاج إلى مراجعات وتقييمات جديدة في ظل أمرين، الأول: استمرار التجمعات القديمة مثل العشرين والسبع وبريكس، وغيرها تؤدي دورها، وفي ظل عضوية دول عديدة شاركت في مراحل التأسيس، وأخرى تبحث عن فرصة للالتحاق، والانضمام إلى العضوية، والتي جرت في تجمع البريكس مؤخرا، والمعني أن هذه التجمعات ستبقى تؤدي دورها على الأقل في ظل سياسات متعددة مع عدم وجود موانع، أو إشكاليات تدفع الصين، أو روسيا في التعامل معا في نطاق مجموعة العشرين، كما أن سياسات الدول الكبري في مجموعة السبع تؤدي دورها في نطاق سياسات باتت في الآونة الأخيرة محل تحفظ، أو اعتراض من قبل بعض الدول.
والثاني: صعوبة وجود حدود ما بين عضوية الدول الكبرى، والدول الصاعدة في بعض التجمعات مثل البرازيل وأستراليا والسعودية، وهي دول تلعب دورا كبيرا، ولافتا في سياسات متعددة، وفي مجالات النفط وأسواق الطاقة، وغيرها ما يشير إلى مساحات التقاطع التي قد تتواجد في هذه التجمعات.
ومن ثم فان التعامل معها يحتاج إلى مقاربات متعددة، ومن المبكر أن نؤكد على جدوى، أو عدم جدوى هذه التجمعات الكبرى، والتي لا تزال العضوية فيها مرتبطة بسياسات منضبطة ومباشرة، وتعمل في أكثر من اتجاه خاصة، وأن التضارب في بعض سياسات الدول الكبرى في هذه التجمعات أمر طبيعي، وهو ما كشفت عنه الفعاليات الأخيرة لقمة العشرين، والتي تشير إلى أن توحيد أنماط السياسات، وبناء مواقف موحدة أمر صعب، ولا يمكن أن يتم في إطاره.
ولهذا اتجهت الدول الكبرى لرسم سياسات جديدة عبر تحالفات صغيرة تتجاوز مجموعة العشرين، أو الدول السبع وغيرها.
كما اتضح من ممارسات التجمعات الاقتصادية مثل منظمة شنغهاي ومجموعة الآسيان، وغيرها إضافة لتركيز الدول الكبيرة، والمعنية بنمط تحالفاتها المباشرة والرئيس، والتي دفعت بالفعل إلى التركيز على استراتيجية محددة، وهو ما جرى على سبيل المثال في استراتيجية بعض الدول في أوبك بلس ما يؤكد على أن الاهتمام الرئيس مرتبط بالفعل بالعمل على تبني سياسات تحالفية، ومنضبطة ومهمة في آن واحد.
وهو ما برز في اتجاه الدول الكبري لإعادة توحيد سياستها، فقد أعادت روسيا التركيز على منظمة معاهدة الأمن الجماعي (تضم إلى جانب روسيا، كلاً من بيلاروسيا وأرمينيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، والتي قد تشكل تحالفا روسيا لمواجهة حلف الناتو، فيما يمكن أن يشكل نسخة جديدة لحلف وارسو القديم حيث سيعمل الهدف الروسي في اتجاه تعزيز دور هذه المنظمة التي كانت أدوارها محدودة طوال السنوات الأخيرة".
كما ستعمل الولايات المتحدة على تفعيل حضورها الاستراتيجي في مناطق التماس في آسيا وخارجها حفاظا على مصالحها العليا، وستصبح أيضاً التحالفات المصغرة سمة رئيسة للبنية الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المدى الطويل.
وهناك محددات استراتيجية للتحالفات التعددية المصغرة تبرز في هذه المنطقة، وكذلك تطوير عدد من الشراكات الجديدة المصغرة التي تضم بعض القوى الإقليمية مثل الهند واليابان، وتعزيز تجمع دور دول أكواد، والالتزام من خلاله شركائه جعل منطقة الهند والمحيط الهادئ مفتوحة وحرة.
وكذلك تحالف أوكوس الأمني الذي يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، والتعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في مواجهة التحديات الدولية، وعلى رأسها ما يرتبط بأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وأخيراً الحوار الثلاثي بين الهند وأستراليا وإندونيسيا، والحوار الثلاثي بين الهند وفرنسا وأستراليا.
كل هذه التحالفات الصاعدة، وغيرها قد تخصم من الحضور الاستراتيجي والاقتصادي لدول العشرين، وغيرها في ظل تنامي الصراعات الممتدة بين أعضائها.
وستفسح المجال أمام مزيد من بناء شراكات إقليمية ودولية مختلفة في ظل المستجدات الحالية في بنية النظام الدولي، والذي يتجه إلى أن يكون عالم متعدد الأقطاب بالفعل، وفي ظل ترتيبات أمنية واستراتيجية تقوم بها الدول الكبرى، والتي تعمل علي اعادة بناء منظومة دولية تعمل لصالحها مع الحفاظ علي المؤسسات الدولية القائمة لحين اتضاح مقاربة التغيير المخطط له من قبل بعض الدول الكبري ، ومنها الهند والصين وروسيا في مواجهة الولايات المتحدة ، والتي ما تزال تراقب ، وترصد ما يجري في اطار مسعاها للاستمرار النظام الدولي علي ما هو عليه مع التقدير بوجود مصالح كبري في مواجهة الصين وروسيا تتطلب حسن التعامل مع تطوراتها المباشرة وفقا لآليات التعامل التي تم اقرارها في مضمون استراتيجية الامن القومي الامريكي ، والتي أعلنها رسميا الرئيس جو بايدن في أغسطس من العام الماضي .
ومن ثم فان سياسات الدول الكبرى - وكما برز في قمة العشرين مؤخرا - ستظل محكومة بعدة عناصر أهمها استمرار العمل وفق مقاربة مصلحية، وبصورة مباشرة حفاظا على ما أنجزته من أولويات ومهام.
إضافة لاستمرار التركيز علي بناء شراكات محددة ومنضبطة وغير متسعة، وهو اتبعته الولايات المتحدة طوال الفترة الماضية، مع البناء على التحالفات القديمة وإعادة تطويرها، والتركيز على تنميتها بصورة كبيرة مع الاتجاه إلى تفعيل الشراكات الثنائية، ومتعددة الأطراف كأساس للتحرك مع عدم الإقدام على أية تغييرات تمس البنية الرئيسة للنظام الراهن بل بالعكس سيتم تدعيمه، وتطوير الحضور المباشر في مجالات تحركه، وهو ما يجري روسيا في منظمة الأمن الجماعي.
كما يتضح مؤخرا في ممارسات الإدارة الامريكية في صندوق النقد، والبنك الدولي عبر سياسات تفاعلية من جانب، إضافة لاستراتيجية التفاعل في مجلس الأمن وخارجه، مع اتباع سياسات إقصائية من خلال أدوات وآليات خارج النطاق الدولي.
وبرز في استراتيجية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة علي إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وغيره في إشارة لمسارات انفرادية في التحرك حفاظا على مصالحها العليا مع العالم.
وسيبقي السؤال هل ستفسح التكتلات الجديدة والمحدودة في عضويتها، أو التي ستزيد، الباب أمام مزيد من التفاعلات ومحاصرة دور التجمعات الكبري ليس فقط في مجموعة العشرين، أو غيرها بل، وأيضا من النظام الدولي الذي تأسس في أعقاب الأمم المتحدة، وأقر دورا تأسيسيا لمجلس الأمن بعضوية دائمة للدول الكبرى، واستمرار منصة الجمعية العامة كمنبر دولي لكل الدول.
عالم متعدد الأقطاب يعبر عن حضوره، من المتوقع أن يختلف شكلا ومضمونا عما هو قائم، وبما يسمح بمزيد من المناورة، والتحرك لكل الدول الكبيرة والصغيرة حفاظا على مصالحها الكبرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة