بعد نحو 13 عاماً من اندلاعها، دخلت أزمة سوريا مرحلة شديدة التعقيد، إذ أفرزت سنوات الأزمة القاسية نتائج غير متوقعة.
فعلى أرض الواقع، باتت البلاد مقسمة إلى ثلاث مناطق رئيسية، وفي كل منها إدارة باتت لها اقتصادها وسلطاتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية الخاصة، وكل إدارة تبدو مرتبطة بهذه الجهة الخارجية أو تلك، وهي جهات إقليمية ودولية باتت تشكل الفضاء السياسي لهذه الأزمة.
والأخطر أن المصالح المتضاربة لهذه الجهات جعلت الكل ضد الكل في الداخل السوري، وهو ما أضفى مزيدا من التعقيد والخطورة على هذه الأزمة، وجعل حياة السوريين أشبه بتراجيديا ملؤها المعاناة والألم.
ويكفي هنا أن نشير إلى الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص، إذ تشير تقاريرها إلى أن 12 مليوناً أصبحوا خارج منازلهم، و7 ملايين خارج بلادهم، و90 في المئة تحت خط الفقر، و80 في المئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام ارتفعت أكثر بسبب الانهيار الاقتصادي على وقع تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وارتفاع الأسعار، وفقدان القدرة الشرائية، وارتفاع نسب التضخم، وجميعها مؤشرات قد تدفع بالمزيد من السوريين إلى الهجرة لأسباب اقتصادية ومعيشية بدلاً من العودة إلى بلادهم.
السؤال الذي يطرح، ما الذي أوصل الأزمة إلى هذه النقطة الخطرة؟ هل هو أسلوب المعالجة أم تضارب مصالح الدول المتورطة فيها؟
أغلب الظن أنه مع تحول هذه الأزمة من أزمة داخلية إلى أزمة متداخلة إقليمياً ودولياً، يقف الأمران أو البعدان وراء إطالة هذه الأزمة وتداعياتها الكارثية على حياة السوريين وبلادهم، فالعنف الذي مورس صعب من الحلول السياسية، والمبادرات التي طرحت حتى الآن لا تبدو أنها قادرة على تحقيق حل منشود.
فمن مبادرة جنيف إلى مسار أستانا- سوتشي، بدت هذه المبادرات والمسارات غير منتجة بسبب تضارب سياسات ومصالح الأطراف المعنية والمتصارعة، والأخطر أن هذه الأطراف تحاول الاستثمار في الأزمة السورية، سواء من أجل زيادة نفوذها ودورها وتحقيق أجندتها الإقليمية، أو من خلال ربط هذه الأزمة بأزمات أخرى، كما هو حال أزمة أوكرانيا التي صعدت من وتيرة الاحتكاكات الأمريكية - الروسية في سماء سوريا، وهو ما دفع بكثيرين إلى التحذير من مواجهة شاملة وكارثية.
في زحمة هذه المعادلات الصعبة جاء الانفتاح العربي على سوريا، الذي دشنته عمليا الدبلوماسية الإماراتية بإعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، لينتج الجهد العربي لاحقاً عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وما سمي الحل التدريجي الذي يقوم على مبدأ خطوة مقابل خطوة، ومع أن هذا الجهد بدا مخرجا مقبولا للأزمة السورية، لكن من الواضح أن العقبات والتحديات كثيرة، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، وربط واشنطن أي جهد دبلوماسي بتنفيذ القرار الدولي 2254، وهو ما جعل مسار الجهد العربي - السوري محفوفاً بكثير من الحذر.
ولعل المعطيات السابقة لسنوات أزمة سوريا جعلت أي جهد نحو الحل يواجه إشكاليات كثيرة، خاصة أن الزمن يسير لصالح تكريس الانقسامات الحاصلة على الأرض، فالمناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية اتجهت نحو مركزية شديدة، فيما مناطق شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة "قسد" المدعومة من الجانب الأمريكي، ثبتت الحالة القومية الكردية، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة المرتبطة بتركيا اتجهت نحو حالة إسلامية متطرفة، لا سيما في ظل وجود هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وهو ما أوجد معادلات صعبة على صعيد إمكانية حوار داخلي بين هذه الأطراف الثلاثة من أجل حل سياسي.
فالحالة المركزية الشديدة ترفض الوقائع التي استجدت على الأرض بعد عام 2011، فيما الحالة الكردية في الشمال الشرقي، و(الإسلامية) المسلحة في الشمال الغربي، ترفضان هذه المركزية، وهو ما يوجه الأنظار من جديد إلى اللاعبين الدوليين المنهمكين بالأزمة الأوكرانية أكثر من أي شيء آخر.
من دون شك، أزمة سوريا باتت أشبه بمعادلة صعبة، معادلة تطرح أسئلة كثيرة دون وجود إجابات شافية يمكن من خلالها تحديد مآلاتها، فيما على الأرض لا شيء يضاهي معاناة السوريين وتشظيهم في كل الاتجاهات.
والسؤال هل تحمل الأيام المقبلة معطيات جديدة تقلب هذه المعادلة الصعبة أم أن الكارثة ستواصل فصولها وتدمر ما تبقى من فرص حياة للسوريين؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة