على الرغم من أنه لم يتم الإفراج عن وثائق هذه الحادثة التاريخية حتى هذه اللحظة، ولم يعرف العالم الحقيقة الكاملة حولها، ولم يتبين على سبيل القطع واليقين كل الملابسات والأطراف التي شاركت في التخطيط، أو التواطؤ، أو التيسير.
على الرغم من كل ذلك فإن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن هذا الحدث قد غير شكل العالم وصورته إلى زمن لا يمكن لأحد أن يتنبأ به، وهذا التغيير متعدد الأبعاد والجوانب.
ويمكن تلخيص أهم أبعاده في مجموعة النقاط الآتية:
- نهاية مفهوم الأمن والسكينة بمعناه القديم الذي كان موجوداً قبل أحداث سبتمبر/أيلول، حيث كان البشر العاديون يشعرون بدرجة معينة من الأمان والاطمئنان في حياتهم، وكانت المخاطر بالنسبة لهم معلومة المصادر، محددة الشكل والنتيجة، وهي محصورة في الإطار الجغرافي، والمحيط الاجتماعي، ولم يكن من ضمنها أن يكون من مهددات الأمن ومنغصات الحياة مخاطر تأتي من أقاليم وقارات بعيدة لا علاقة للإنسان العادي بها، وإنما تتم التضحية به من أجل النكاية بحكومته، أو بديانته.
وقد تمدد هذا المفهوم مع داعش، ومع الهجمات العبثية التي حدثت في المدن الأوروبية وفي نيوزيلندا وغيرها ضد أبرياء لا علاقة بينهم وبين من يعتدي عليهم. نهاية مفهوم الأمن بهذا المعنى غيّرت حياة المليارات من البشر، وكلفت الحكومات موارد هائلة لمواجهة مخاطر محتملة مثلما حدث في سبتمبر 2001.
- تراجع مفهوم سيادة الدول بالمعنى التاريخي السابق على أحداث سبتمبر، فقبلها كانت السيادة مفهوماً مقدساً لا يمكن المساس به إلا بعد إجراءات معقدة جداً؛ من أهمها قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت الفصل السابع من الميثاق، وبعد سبتمبر أصبحت الدول القوية القادرة تخترق سيادة الدول الأضعف تحت حجة جاهزة وهي محاربة الإرهاب. فقد كان للحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق تأثير غاية في الخطورة على المفهوم القانوني للنظام الدولي الذي كان يعتمد مفهوم السيادة كقاعدة قانونية لجميع تصرفات أعضائه.
- تجديد ثقافة المواجهة بين العالم الإسلامي والغرب؛ تلك الثقافة التي كانت موجودة في فترة الاستعمار الغربي لأفريقيا وآسيا، فقد أدت أحداث سبتمبر/أيلول إلى تجديد هذه الفكرة التي سوق لها "صموئيل هنتجتون" في كتابه "صدام الحضارات" قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، وكان العالم يظن حينها أن هذه فكرة افتراضية نظرية، فإذا بأحداث سبتمبر/أيلول 2001 تحول هذه الفكرة إلى واقع حقيقي تعيشه العديد من المجتمعات والحركات الدينية وتدعو إليه سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.
هذه بعض المجالات التي أحدثتها هجمات سبتمبر على شكل العالم الذي نعيشه اليوم، والتي سوف تستمر معنا لعقود قادمة ما لم تتم عملية تغيير في الوعي العالمي تقوم بها أدوات الثقافة والفنون العابرة للحدود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة