حكمَ "حزب الله" لبنان، هو و"التيار الوطني الحر" لست سنوات. فماذا كانت النتيجة؟ ولماذا يتمسك بست سنوات أخرى؟ وهل يحتاج الأمرُ إلى عبقرية من أحد ليعرف ماذا ستكون النتيجة؟
الغالبية العظمى من اللبنانيين تعرف الإجابة عن كل سؤال من هذه الأسئلة. يعرفها اللبنانيون في كل مظهر من مظاهر حياتهم. يرونها في رغيف الخبز، وفي الكهرباء، وفي انهيار الخدمات العامة، وتعثر القضاء، وفوضى المؤسسات، وفي الليرة التي تحولت إلى ورق لا يساوي قيمة الحبر الذي طبعت فيه، إلى غير ذلك.
دع عنك، في النهاية، انفجار مرفأ بيروت، الذي تحولت التحقيقات بشأنه إلى دليل قاطع على انهيار سلطة القانون، وانتصار سلطة الرعب والترهيب والاغتيالات عليها.
وحتى ولو كان خراب لبنان هدفاً هو ما ظل "الحزب" يجري وراءه لتحقيقه، فماذا يريد "الحزب" أكثر من ذلك خراباً؟
والكل يفهم كيف أن الشعارات المراوغة والكاذبة باتت مفضوحة. فليس "حماية ظهر المقاومة" سوى تعبير لتورية الهدف الحقيقي وهو حماية ظهر سلطة الحزب على الدولة اللبنانية، وحماية نفوذه المسلح على اللبنانيين أجمعين. ولكن، عندما يسقط الشعار المراوغ ويتحول إلى فضيحة، فما الحاجة إلى التلويح به أصلاً؟
ولا يملك "الحزب" وحلفاؤه ما يكفي لإملاء مرشح لهم، يكرر ما سبق. ولكنه لا يفتأ يناور لعله يُخادع طرفاً أو آخر، وكأن أحداً لم يرَ من قبل إلى أين انتهت المخادعات السابقة؛ فالرئيس ميشال عون ما كان ليصبح رئيساً لولا قبول "تيار المستقبل" به، بعد أن رضخ للخداع.
وكانت النتيجة هي أن رئاسة سعد الحريري للحكومة هي أول مَنْ كان الضحية. فبأي معنى يمكن لمخادعات أخرى أن تُرضي أطرافا تعارض تنصيب مرشحه للرئاسة؟ وهل بقي للخداع أن يخدع أحداً بأنه لن يكون أول الضحايا؟ هل بقي للكذب متسع لكي يصدقه أي أحد؟
ومفهوم تماماً أن "الحزب" ليس سوى مشروع أجندة لا علاقة لها بمصالح لبنان، ولا تعترف بسيادته، ولا تحترم إرادة الأغلبية من شعبه. ولكن، أفلا ترى هذه "الأجندة" أنها تهين نفسها عندما تدفع بلداً مثل لبنان إلى الهاوية؟ وماذا يبقى لها، من شعاراتها المخادعة، إذا كان الخراب هو الثمرة؟
ولبنان، يظل لبنان في النهاية. إنه بلد سبق له وأن كان رمزاً من رموز التعددية والحريات والثقافة في محيطيه العربي والإقليمي. بلد ماضٍ لا يمكن شطبه من الذاكرة، لتحل محله المخادعات التي لم تثمر إلا الفقر والجوع والتشرد والفساد. بلد قادرٌ على الحياة؛ قادر على استئنافها فور أن تنزاح عن كاهله غمة الغلو السياسي والتطرف الطائفي والتبعية للأجندات الخارجية.
هذا الـ"لبنان" بلد خارطة اجتماعية، غالبيتها لا تشتري تلك الأجندات، ولا تقبل شعاراتها الزائفة، وتعرف نتائجها أيضا. فبأي معنى يمكن لمجموعة واحدة فيه، أن تفرض على الباقين تصورها، وسلاحها، ورئيسها، وكل ما يأتي من خلفها من ثمرات الفساد والشلل؟ بأي معنى يحق لهذه المجموعة أن تتصرف وكأن لا أحد سواها يحق له أن يقرر مصير البلد؟
ولقد بلغ الأمر حده. حتى لم يعد هناك متسع للمزيد، بعدما أفلست سياساته البلاد، وصار مصرفها المركزي عاجزا عن تمويل احتياجات الحكومة. فكيف يمكن للحزب ومَنْ يتبعه أن يواصل السير على الدرب الذي أدى إلى الهاوية أصلا؟ أين المنطق في ذلك؟ وكيف انتهت رجاحة العقل إلى أن أصبحت خبالاً مجرداً من كل تفسير؟
خير للحزب ومَنْ يتبعه، أن يتراجع خطوة، وأن يترك للأغلبية أن تعيد بناء ما تهدم. خير له هو، أن يرفع يده من خناق البلد. لعل فرصة أخرى تأتي لكي يقول فيها إنه "شريك لا غنى عنه". وهو القول الذي ردده الحريري، ودفع ثمنه، بفضل الغلو والتطرف الذي أقنع الحزب ومَنْ تبعه، بأنهم هم الغالبون، ولو على جثة البلد.
خير له أن يعود إلى مواقع "المعارضة" ولو من أجل أن يمارس تدوير الكراسي، فيتيح لشعب هذا البلد متنفساً.
ولكنه، على وجه الحقيقة، لن يفعل. لن يقبل بما يمليه المنطق أو رجاحة العقل. لأن منظومة الخداع والشعار الكاذب سوف تنهار. ويخشى، من بعد الانهيار، ألا يبقى له ما يبيعه في سوق الخراب.
بيد أنه مثلما أوصل لبنان إلى هذه الهاوية، فإن طريق العودة لم يعد فسيحاً أمامه، ولا أمام الذين يريدون إنقاذ البلاد مما فعل. ضاقت الطرق على لبنان، فضيّق الحزب على نفسه.
الذين يزرعون الخراب، لا بد لهم في النهاية أن يحصدوه. أليس هذا هو المنطق؟
يوجد في لبنان اليوم، مَنْ يقول: لا عودة إلى الخلف. لا تسوية مع سياسات الخراب. لا سبيل لمخادعات أخرى. وليشرب "الحزب" من الكأس التي أجبر لبنان على أن يشربها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة