في مثل هذا اليوم قبل اثنين وعشرين عاماً، شهد العالم أحد أشهر الأحداث التاريخية التي أثرت في مجريات العالم حتى بعد مرور عقدين وربما لعقود أخرى مقبلة.
إنها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، التي حركت الولايات المتحدة بسببها أساطيل وجيوشاً لتقتحم أفغانستان ثم العراق وحشدت العالم كله وراءها فيما عرف بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب. ثم انطلقت تفرض إرادتها وقراراتها على الكثير من الدول، وإلا تتهمها بتأييد الإرهاب أو على الأقل بالتغاضي عنه.
وبعد أكثر من عقدين على هذا الحدث الكبير، لا تزال كثير من ملابساته غامضة أكثر مما هي واضحة ومكشوفة لدى الناس. ورغم ذلك، لا تزال الحرب على الإرهاب ورقة ضغط تستخدمها واشنطن من حين إلى آخر، بحسب طبيعة علاقاتها مع الدول.
بعد تلك السنوات التي زادت على العشرين، يكون مطلوباً بل من الضروري تقييم تلك التجربة، وعمل مراجعة لها حول تلك السياسات والتحركات التي اجتاحت العالم، سواءً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المبادرة في تلك السياسات أو من جانب الدول التي شاركتها إثباتاً منها لحسن النوايا وتأكيداً عملياً لرفض الإرهاب.
المحصلة الإجمالية، تبدو غير إيجابية بشكل واضح. فرغم عدم وقوع عمليات إرهابية ضخمة على مستوى تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وانحسار حجم وعدد العمليات التي تستهدف الدول الكبرى تحديداً، إلا أن الإرهاب لم ينتهِ وإنما توقف مؤقتاً، ويطل بوجهه القبيح كلما سنحت له الفرصة.
بل إن التراجع في وتيرة العمليات الكبيرة الموجهة لدول كبرى، يُبين أن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب نجحت فقط في رفع مستوى حماية تلك الدول الكبرى تحديداً. بينما الدول التي اصطفت إلى جانب واشنطن، لم تكتسب حصانة أو منعة ضد العمليات الإرهابية. بل على العكس تعرضت الكثير من تلك الدول لهجمات إرهابية وتكبدت خسائر فادحة.
إن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب لا تزال تدور في حلقة مفرغة من الملاحقات الأمنية التي تحصد أفراداً. أما الفكر المؤسس للإرهاب الذي تقوده تنظيمات تلقى رعاية من بعض الدول الغربية، فلم تشملها تلك الجهود حتى الآن، ولا تزال محصورة في نطاق الدراسات والتحليلات التي تضطلع بها مراكز البحث والتفكير.
الواضح أن الدول العربية والإسلامية كانت سباقة في تنبيه العالم إلى أن الإرهاب ظاهرة مجتمعية ربما لها جذور فكرية وأيديولوجية، لكنها لا تنمو وتستمر سوى في بيئة مواتية من الفقر أو التفكك المجتمعي أو الكراهية، وهذا ما أوضحته تجربة تنظيم "داعش"، غير أن الاستجابة العالمية لتلك التنبيهات كانت ولا تزال محدودة وجزئية بل وانتقائية في أحيان كثيرة.
دولة الإمارات، واحدة من الدول التي أخذت المبادرة في قيادة العالم نحو مواجهة تلك العوامل المؤسِسة للإرهاب، وذلك بمختلف أنماطها. فراحت تمد يد المساعدة والدعم للدول الفقيرة لتحقق تنمية شاملة تقضي على أي مبررات للانشقاق واللجوء إلى العنف في تلك الدول. وباشرت على التوازي جهوداً شاملة ومتواصلة لتعميم ونشر مفاهيم التعايش والتسامح والأخوة الإنسانية، بما يساعد على تجفيف المنابع الفكرية والثقافية للتطرف فضلاً عن تصحيح المفاهيم وترشيد المنظومات الثقافية السائدة. وذلك على الرغم من أن الإرهاب لم ينل من دولة الإمارات، لعقلانية وتوازن سياساتها وتماسكها المجتمعي والحكمة والاحترام العالمي الذي تتمتع به قيادتها.
ونحن نستذكر حادثة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 فإن المطلوب من الدول الكبرى أن تصحح استراتيجياتها في مكافحة الإرهاب القائمة حصرياً على المقاربات الأمنية وتوسع دائرة المواجهة لتشمل مختلف الجوانب بما فيها الحد من خطابات الكراهية التي تتصاعد في الغرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة