سباق الخيول.. آخر ضحايا أزمة لبنان الاقتصادية
دفعت الأزمة الاقتصادية في لبنان المربين إلى التخلي عن خيولهم وسباق الخيل التي تعد أحد التقاليد العريقة في البلاد.
لم يعد الخيل والليل يعرف طريقه إلى الإسطبلات اللبنانية بعدما مرت على ظهر الخيل أزمة اقتصادية حادة حرمتها من قوتها اليومي فخسر لبنان الرهان على سباق الخيول.
وأدت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بما في ذلك أسعار القمح والشعير مما ترك تأثيره على تربية وسباق الخيل التي تعد أحد التقاليد العريقة في لبنان.
وانطلق أول سباق للخيول في لبنان عام 1885 في منطقة بئر حسن، إحدى ضواحي بيروت، لتنتقل هذه الظاهرة إلى جميع المدن اللبنانية ووجدت طريقها في نهاية المطاف إلى غابة الصنوبر في بيروت عام 1916. ورسخ سباق الخيل وتربية الخيول منذ ذلك التاريخ نفسه كعنصر أساسي في المشهد الثقافي والرياضي والاجتماعي اللبناني.
- صفقة تصدير الغاز المصري إلى لبنان تدخل المرحلة النهائية
- القطاع السياحي في لبنان إلى الدولرة.. هل تمنحه قبلة الحياة؟
وعلى مدرجاته الأنيقة، كان ميدان سباق الخيل يستقبل أثرياء بيروت ونجوم السينما والرؤساء الذين كانوا يضعون رهاناتهم ويشاهدون سباق الخيول العربية الأصيلة المملوكة لنخبة المدينة.
ومع تراكم الأزمات الاقتصادية في لبنان يواجه مربو الخيل معركة شاقة من أجل الحفاظ على رياضتهم بعدما انخفض عدد الخيول بأعداد قياسية.
وقال علي سيف الدين، وهو مدرب ميدان سباق الخيل في بيروت منذ عام 1961، إن عدد الخيول في إسطبلات الاستاد الشهير تضاءل من 3000 إلى حوالي 250 حصانا فقط.
وأضاف سيف الدين لرويترز "أصبحت معظم صناديق الإسطبلات الآن فارغة من ركابها، وتتجول الدجاج والماعز في الأماكن التي كانت في الزمان مأهولة بالخيول العربية".
وأوضح سيف الدين أن "أسعار الشعير تغيرت، دوبلت (تضاعفت)، ثلاث مرات، الذي كان ألفي دولار أمريكي صار بخمسة آلاف (دولار أمريكي)، ولا تزال في غلاء مستمر. أكثر وأكثر الآن أثرت مشاكل أوكرانيا".
وكان سباق الخيل مكانا ورمزا رياضيا يجمع الشعب اللبناني خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، وذلك نظرا لوقوعه جغرافيا على طول جبهة المواجهة التي قسمت بيروت إلى شطرين غربي وشرقي خلال الحرب.
وما زالت المباني المجاورة تحمل آثار الرصاص والشظايا على واجهاتها وقد تشظت من طرفي الحرب.
ميدان سباق الخيل.. شاهد عيان
كما احتل الجيش الإسرائيلي ميدان سباق الخيل خلال اجتياحه لمدينة بيروت في عام 1982 حين دخلت جنوده إلى الميدان في الرابع من أغسطس/ آب.
وفي عام 1989، جرت في ميدان سباق الخيل مفاوضات ما عُرفت باللجنة الأمنية التي قادها الموفد العربي الأخضر الإبراهيمي ومهدت لوقف إطلاق النار في لبنان بعد حرب أهلية طويلة.
ولكن كل هذه الأحداث الأمنية، التي أغلقت مدنا ومتاجر وشوارع، لم تستطع أن تكسر ميدان سباق الخيل الذي ظل واقفا كخيل أصيل.
ويتذكر سيف الدين أنه "كانت كل أحداث لبنان تدور فيما السبق بأقوى الفترات يبقى ماشيا. السبق يجمع، يأتوا من الجانب الشرقي والجانب الغربي (بيروت)، أديش (حجم) كان في نفور بين بعضهم، بس يدخلون على السبق، لا يوجد شيء خالص وكل شيء طبيعي. السبق كان من أهم المؤسسات التي تجمع اللبنانيين مع بعضهم".
وأعرب نبيل نصر الله، مدير ميدان سباق الخيل منذ عام 1971، عن مخاوفه بما يخص استمرار المؤسسة العريقة، قائلا "إذا استمر الوضع بهذه الطريقة وارتفعت أسعار عناية الخيل والمربي لا يستطيع أن يبيع خيله أو أن يبعثهم إلى السبق أكيد سخف الخيل وبعضها سيذهب إلى نواد ليس لديها أي مستقبل. لا يوجد اهتمام في استمرارية نسل الخيل العربية ويقف نشاط الخيل ببيروت وهذا شيء لا نحب أن نخسره لأنه تراث أساسي من جهة ومن جهة ثانية مورد أساسي أيضا للمربين".
وكما العديد من مربي الخيول في جميع أنحاء البلاد، فإن الانهيار الاقتصادي أجبر حسام شرف الدين على التخلي عن جميع خيوله العشرين باستثناء اثنين.
وضع مأساوي
وتصاعد الوضع المأساوي في لبنان إلى حد الانهيار وذلك بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب عام 2020، والذي أدى إلى تدمير صوامع القمح وهي كانت الموقع الرئيسي لتخزين الواردات. وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكمل على ما تبقى من مستقبل لهذه التربية.
وقال شرف الدين "الخيول لم تكن تكلفنا شيئا، كانت تكلفنا قليل جدا. الآن لهذا السبب تخلينا عن معظمهم من أجل الاستمرار في ممارسة هوايتنا… في العائلة منذ أيام جدودنا الخيل موجود، ولهذا السبب لا يمكننا التخلي عنها، حتى لو نقعد بلا أكل".
يمتلك محمد العبد خيولا في ميدان سباق الخيل منذ أكثر من 30 عاما. لكن بسبب الانهيار الاقتصادي في البلاد لديه الآن عدد قليل من الخيول التي كان يمتلكها.
وقال العبد "هذه ثروة حيوانية في لبنان، إذا لم يتدارك الوضع وما تعالجت، الوضع ذاهب كثيرا إلى الأسوأ، إن شاء الله يعني نحن نقول إن شاء الله بتصير الأيام أحسن وبترجع شوي (قليلا) لحتى تضل ماشية هذه الهواية".