كل الأسعار تقفز.. اقتصاد أوروبا "يخرج عن السيطرة" في أسبوع الحرب الثالث
من يتعامل مع الأسواق الأوروبية، سيرصد بوضوح تأثير الحرب الروسية الأوكرانية ممثلا في الأسعار؛ فكل شيء تحرك للأمام، من البنزين للغذاء.
وتعيش القارة الأوروبية هذه الأيام وضعا اقتصاديا صعبا؛ نتيجة تضخم ومشاكل في سلاسل التوريد حركتهما جائحة كورونا؛ وفاقمتهما الحرب في أوكرانيا وما يرتبط بها من تداعيات جيوسياسية واقتصادية.
ومع تفاقم الوضع في أوكرانيا وعدم وجود نهاية في الأفق، ستتأثر أوروبا بشكل عام بشكل مباشر وغير مباشر على عدة مستويات، بالنظر إلى الروابط الاقتصادية القوية مع روسيا وأوكرانيا.
وفي هذه المرحلة، تعاني أوروبا من أكبر التداعيات الاقتصادية، ولكن كلما طال أمد الحرب في أوكرانيا، زاد التأثير السلبي على الاقتصاد الأوروبي على الأرجح، إذ تعتمد دول التكتل الأوروبي بشكل كبير على الطاقة الروسية، وعلى الرغم من أن جميع البلدان بدأت بالفعل من فترة في التحول إلى المصادر المتجددة، إلا أن معظمها لم يكن بالسرعة الكافية.
بالإضافة إلى ذلك، تنتج روسيا وأوكرانيا المواد الخام التي تعتبر بالغة الأهمية للعديد من الصناعات، بما في ذلك البناء وصناعات السيارات والصناعات الزراعية؛ لذلك أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
معاناة
ومن المتوقع أن يستفيد المصدرون الصافيون للسلع الأساسية من ارتفاع أسعار السلع في الفترة المقبلة، ولاسيما أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا؛ فيما سيعاني مستوردو السلع، لا سيما في أوروبا. وإذا استمر الصراع لفترة طويلة، فسوف تستمر ضغوط التضخم العالمية في الازدياد، ما يؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين، وفق تحليل لمؤسسة "تريدوس" لإدارة الاستثمارات.
ووفق تحليل لوكالة رويترز، فإن الأوروبيين يواجهون الآن ضررًا كبيرا لمستوى المعيشة، حيث أدى الصراع في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء ويهدد بتقويض الانتعاش الاقتصادي الهش.
وأدى ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية نتيجة للحرب وقرار الولايات المتحدة حظر واردات النفط الروسي، إلى أكبر قفزة أسبوعية في أسعار البنزين في بعض محطات الخدمة في جميع أنحاء أوروبا، مما دفعها في بعض الحالات إلى أكثر من 2 يورو للتر (8.25 دولار للجالون).
وقال أليخاندرو أوترينو، وهو متقاعد يعيش في مدريد، لـ"رويترز"، "المشكلة ليست في السعر المنتظر غدا، ولكن كم سيكلف (البنزين) بعد 15 يومًا من الآن (في ظل استمرار الحرب).. نعتقد أنه سيكلف أكثر بكثير، أعتقد أن الأوقات السيئة لم تأت بعد".
هذا الخوف من خروج الأسعار بصفة عامة وليس فقط البنزين، عن السيطرة؛ أهم ملف على طاولة البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه المنتظر اليوم الخميس.
وفي الاجتماع المقرر اليوم، تهدف كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي إلى إثبات قدرتها على كبح جماح التضخم في منطقة اليورو الذي قفز بالفعل إلى أعلى من المتوقع، وبلغ 5.8٪.
وقال جونثر شنابل، أستاذ الاقتصاد بجامعة لايبزيغ الألمانية، "هناك ضغط طبيعي على البنوك المركزية للإبقاء على توقعات (التضخم) منخفضة، لكن البنوك تخاطر في الوقت نفسه بفقدان المصداقية".
وفي البرتغال؛ أفقر دولة في أوروبا الغربية مع 10٪ من السكان يتقاضون حدا أدنى للأجور يبلغ 705 يورو، سارع سائقو السيارات لملء الخزانات قبل أي ارتفاع في الأسعار، حيث تكلف سيارة بخزان سعة 50 لترًا، 91 يورو لملء السعة كاملة.
وقال أنطونيو دياس، سائق أوبر البالغ من العمر 56 عامًا ويعيش في لشبونة: "إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، فقد أضطر إلى اللجوء إلى الخدمات الاجتماعية لتناول الطعام والشراب".
وفي ألمانيا، قدرت منظمة السيارات الألمانية (ADAC) أن أسعار الديزل ارتفعت بنسبة 28٪ في ستة أيام بداية من 1 مارس. كما ارتفعت أسعار زيت التدفئة مع زيادة مشتريات مالكي المنازل من الزيت، الذي لا يزال يستخدمه العديد من الألمان لتدفئة منازلهم.
وتعتمد أوروبا بشكل كبير على واردات النفط والغاز من روسيا، لذلك لم تنضم إلى قرار حظر الواردات النفطية الروسية الذي اتخذته الولايات المتحدة، ومن الصعب أن تنضم مستقبلا إلا إذا استطاعت توفير بديل.
وتُقدَّر كميات النفط والغاز التي صدّرتها روسيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2019 بنحو 200 مليار يورو، أي ما يقرب من ضعف احتياطيات النقد الأجنبي المحتفظ بها في دول مجموعة السبع في نهاية عام 2021.
وروسيا هي المورد الرئيسي للنفط إلى الاتحاد الأوروبي (27٪ من الواردات وفق بيانات 2019)، والفحم (47٪) والغاز (41٪) وفق بيانات نفس العام، لكن لا يتطلب توريد النفط والفحم بنية تحتية خاصة؛ فقط يمكن وضعها على متن قارب وشحنها إلى أي مكان.
في المقابل، يعد توريد الغاز أكثر تعقيدا؛ لأن التجارة تعتمد على البنية التحتية من أنابيب نقل وغيره، مما يعني أنه لا يمكن للمورد أو المشتري التنويع بسلاسة.
وفيما يتعلق بالمنتجات الغذائية، تقيد بعض محلات السوبر ماركت الإسبانية، مبيعات زيت عباد الشمس، والذي يأتي في الغالب من أوكرانيا، بعد اكتشاف ما وصفته بـ"سلوك المستهلك غير العادي"، حيث يميل الأفراد للشراء بكميات كبيرة خوفا من اختفاء المنتج من الأسواق.
وقالت وزارة الاقتصاد الإيطالية في تقرير يوم الإثنين الماضي إن "ارتفاع أسعار الطاقة وما تلاه من ارتفاع في التضخم يمثلان خطرا قويا على الرفاهية الاقتصادية للمواطنين".
وبخلاف الأسعار والتضخم والواردات النفطية، فإن هناك أزمة أخرى خلقتها الحرب في أوكرانيا، وتشكل عبء كبير على اقتصاد وموازنات الدول الأوروبية، وهي أزمة اللاجئين.
وتتطور أزمة اللاجئين بسرعة؛ ففي غضون عشرة أيام فقط، وصل ما يقرب من مليوني شخص إلى بولندا ودول وسط وشرق أوروبا الأخرى، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم أكثر، وتكون تكلفة الترحيب باللاجئين على الذين يحتاجون للطعام والسكن ومستلزمات الحياة المختلفة، كبيرة.
وتُظهر التجربة أن التكاليف يمكن أن تتصاعد بسرعة: فقد بلغت نفقات الميزانية فيما يتعلق ببند اللاجئين، في ألمانيا 9 مليارات يورو في عام 2016 في ظل وجود 750 ألف لاجئ فقط. وإذا افترضنا أن 10 مليارات يورو هي تكلفة إيواء مليون لاجئ سنويًا، فقد تصل تكلفة اللاجئين الأوكرانيين بسهولة إلى 30 مليار يورو في عام 2022 بألمانيا.
سيناريوهات المستقبل
وحددت ورقة تقييم موقف أعدها الخبير الاقتصادي الأوروبي، ألون دي غروست، سيناريوهين أساسيين لتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد الأوروبي والعالمي.
ويفترض السيناريو "أ" حربًا قصيرة ومدمرة تؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية لمدة أقصاها ستة أشهر مع حدوث انخفاضات كبيرة في التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على وجه الخصوص.
ووفق هذا السيناريو، ترتفع أقساط الاستثمار (المخاطر) بشكل معتدل، وترتفع أسعار الطاقة، بما في ذلك الغاز، بشكل حاد، لكنها تتراجع بعد أربعة أشهر. كما ترتفع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، حيث ارتفعت أسعار القمح بالفعل بنسبة 30٪ والذرة بنسبة 20٪ ، وكذلك أسعار الأسمدة (20٪).
أما السيناريو الثاني (الحرب والعقوبات الفعالة) الذي يبدأ كسيناريو "أ"، لكنه يفترض أيضًا أن العقوبات المفروضة على روسيا ستكون فعالة وتضرب الاقتصاد الروسي بقوة. نتيجة لذلك، ترتفع أسعار الطاقة بشكل أكثر حدة وتبقى أعلى لفترة أطول من السيناريو الأول، كما ترتفع أسعار المواد الغذائية والأسمدة والزيوت النباتية بشكل حاد في هذا السيناريو أيضا.
aXA6IDE4LjExNy43OC44NyA= جزيرة ام اند امز