كيف تسهم الحوكمة الذكية في تطوير الاقتصاد الإبداعي؟
الاقتصاد الإبداعي ستصاحبه مجموعة من التحديات التي ستكون بحاجة لنماذج حوكمة ذكية قادرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة.
يُعَد الاقتصاد الإبداعي فرصة الدول النامية أو الدول الأقل تطورا لكسب مكانة على الساحة الدولية؛ فالدول النامية غير قادرة على منافسة دول متقدمة صناعيا مثل ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وآليات التعلم الآلي هناك فرصة لإنتاج محتوى أكثر تفرُّدا، وأكثر قدرة على المنافسة العالمية، خصوصا على الناحية الثقافية والاجتماعية، وقد شرحت ورقة بعنوان "Agile governance for creative economy 4.0" صادرة عن منتدى الاقتصاد العالمي World Economic Forum مفهوم الاقتصاد الإبداعي وكيفية إقامة حوكمة ذكية تتلاءم مع متطلباته.
- تكنولوجيا مبهرة.. تتيح لمس الأشياء في الهواء بشكل افتراضي
- 634 مليار دولار إيرادات تكنولوجيا المعلومات في الصين
الثورة الصناعية الرابعة والاقتصاد الإبداعي
تأتي بداية الورقة مفسرة الثورات الصناعية الكبرى التي مر بها الجنس البشري والتي أثرت على نظام حياته؛ الاقتصادي أو الاجتماعي، كاكتشاف البخار والآلة حيث الثورة الصناعية الأولى، ثم اكتشاف الكهرباء حيث الثورة الصناعية الثانية، ثم ثورة الإنترنت، وصولا إلى الثورة الصناعية الرابعة التي تدمج بين الابتكارات البيولوجية والعوالم الرقمية، والتي صاحبها استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس، مُخلِّفة وراءها مشكلات اقتصادية واجتماعية بحاجة لآليات جديدة للتعامل، وقد كان الاقتصاد الإبداعي هو محور تلك الورقة التي حاولت أن تصيغ نموذج حوكمة ذكية للتعامل معه وتنظيمه.
فتُعرف الورقة الاقتصاد الإبداعي على أنه الاقتصاد القادر على خلق الثروة والحفاظ على الملكية الفكرية للأفراد، ويقوم هذا الاقتصاد على إثارة حث الإبداع والابتكار لدى الأفراد سواء في النواحي الثقافية أو الفنية أو الأدبية أو في العمارة، والتصنيع؛ ما يساعد على خلق فرص عمل جديدة ومختلفة عن الوظائف المألوفة، كما أنه يساعد على بناء جسور للتواصل الثقافية بين البلاد وبعضها؛ كما في حالة أفلام الرسوم المتحركة اليابانية والتي يتم ترويجها عالميا، أو سلاسل الأدب العالمية. وتوضح الورقة أن دمج الثورة الصناعية الرابعة مع الاقتصاد الإبداعي سيُسهم في:
1- تسهيل دخول الشركات الناشئة للسوق وخصوصا في المجالات الإبداعية مثل الثقافة والفن والتصميم، وسهولة تخزين المحتوى المُنتج وتوزيعه وتسويقه عبر الحدود.
2- انخفاض تكاليف الإنتاج والتوسع والاستثمار خصوصا لمبتدئي الاقتصاد الإبداعي، بسبب استخدام آليات تحليل البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
3- إتاحة خيارات متعددة أمام المستهلك لاختيار المنتج والخدمة المبتغاة بأفضل سعر ومن أي مكان بالعالم، وإتاحة فرص تقييم جودة المنتج أو الخدمة، واحتماليات تعرضه للاحتيال.
من جهة أخرى توضح الورقة أن الاقتصاد الإبداعي ستصاحبه مجموعة من التحديات التي ستكون بحاجة لنماذج حوكمة ذكية قادرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة؛ فمثلا دمج الاقتصاد الإبداعي بالذكاء الاصطناعي سيخلق فرص عمل جديدة تتلاءم مع متطلبات السوق واحتياجاته، ومن سيظل على نهجه التقليدي سيكون عرضة للخسارة القريبة. كما أنه سيُسهم في سرعة تغيير طلبات المستهلكين، وهو ما قد يتسبب في تغير القيم المجتمعية، فضلا عن مساهمته في خلق تحديات تتعلق بالقوانين التنظيمية الخاصة بعمليات القرصنة وانتهاك حقوق النشر في ضوء سهولة الوصول للمحتوى المُنتَج.
الحوكمة الذكية
تنتقل الورقة موضحة مفهوم الحوكمة الذكية الذي يتمحور حول مواكبة الحكومة لنتائج الثورة الصناعية الرابعة، ومتابعة تغيرات المجتمع، بحيث تصبح أكثر مرونة وقدرة على التكيف وسن السياسات التي تتلاءم مع مستجدات الوضع المجتمعي الجديد واحتياجاته، وفي حالة الحوكمة الذكية تكون الحكومة هي أساس سن البروتوكلات، ولكن تعاونها مع القطاع الخاص والمبدعين يصبح أمرا لا مفر منه؛ لأنهم أكثر معرفة بمتطلبات السوق واحتياجاته، فتتمكن الحكومة حينذاك من صياغة سياسات أكثر تناسبا مع المتطلبات الجديدة.
وسترسل الورقة موضحة أن الحوكمة الذكية تصبح ضرورة مُلحة في حالة:
1- وجود صعوبة في توظيف الاقترابات التقليدية العملية.
2- وجود مساحة واضحة للتفاعل بين القطاع الخاص والحكومي.
3- قدرة الصناعة على خلق نماذج محاكاة استباقية قادرة على سد احتياجات المجتمع، وضبط متغيراته.
وتضرب الورقة أمثلة على دور الحوكمة الذكية في مواجهة التغيرات المصاحبة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الإبداعي، كتأسيس تشريع ناظم لممارسة الصناعة الإبداعية، يجعل الأفراد قادرين على ضبط سُبل تعاملهم مع الحياة الرقمية الجديدة وصياغة المحتوى الإبداعي، فضلا عن وضع مبادئ للدعاية السلوكية عبر الإنترنت، ووضع أسس أخلاقية لفض النزاعات حول حقوق النشر والإبداع، أو معايير التشغيل وإجراءات الصيانة، إضافة إلى تأسيس منظمات تختص بالحوكمة الذكية، تكون تابعة للجهات الرسمية وتتعاون مع القطاع الخاص لتنشيط البيئة الابتكارية التنافسية.
الاقتصاد الإبداعي في آسيا كحالة تطبيقية
تنتقل الورقة في تلك الجزئية مشيرة إلى تطور الاقتصاد الإبداعي في دول آسيا، وتطور أساليب الحوكمة الذكية للتفاعل معه، ضاربة المثال بالفيديو حسب الطلب "Video on demand"، والتي تُعرفه بأنه أحد منتجات الاقتصاد الإبداعي، ويضم كل أنواع الفيديوهات (سينما، رسوم متحركة) سواء كان المحتوى مدفوعا أو مجانيا، ويقوم على خاصية الاتصال بالإنترنت، وتستطرد الورقة مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يبلغ عدد المشتركين في الفيديوهات المدفوعة بآسيا نحو 440 مليون شخص بحلول عام 2022، حيث تضاعف عدد الشركات العالمية الخاصة بإنتاج الفيديو مثل شركات Netflix و Amazon Prime Video ، والآسيوية مثل شركة iFlix و Viu في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن ينمو هذا القطاع في الفترة من 2016 حتى 2021 بنسبة تتراوح بين 80 و90%، بأرباح تبلغ نحو 10,1 مليار دولار بحلول 2022.
وتشغل صناعة الفيديو بعناصره "سينما، كُتّاب، فنانين" الحيز الأكبر من الاقتصاد الإبداعي بآسيا، وتسعى الدول لتعظيم العوائد الناجمة عنه؛ فدولة مثل فيتنام عملت على وضع استراتيجية تطوير صناعة السينما الفيتنامية حتى عام 2020 .
كما تسعى لتنفيذ رؤية 2030 التي تتضمن زيادة الإنتاج الإبداعي، وتطوير الموارد البشرية، ورفع الوعي المجتمعي، والتسويق الدولي للمنتج الإبداعي الفيتنامي. إضافة إلى ما سبق توضح الورقة أن 90% من الرسوم المتحركة الأمريكية يتم إنتاجها في آسيا؛ ما يبرهن على تنامي الصناعات الإبداعية بآسيا.
وتشير الورقة إلى أنه من المتوقع أن تتراجع العائدات العالمية من الفيديو التقليدي التلفزيوني، في حين سترتفع العوائد الناجمة عن الفيديو حسب الطلب الموجود على الإنترنت بمقدار 6% بحلول 2021، وسترسل الورقة موضحة أن الإنفاق النقدي المحلي المتزايد على الإنتاج الإبداعي في آسيا سيخلق نحو 736 مليون وظيفة بحلول عام 2022، إلى جانب ذلك فالفيديو حسب الطلب سيُسهم في التسويق للهويات المحلية الآسيوية عالميا؛ ما سينعكس بالإيجاب على أنشطة الاقتصاد التقليدية كالسياحة مثلا.
وختاما تؤكد الورقة أن الاقتصاد الإبداعي يتطلب آليات حوكمة ذكية لتعظيم العوائد منه، فمثلا وُجد أن توافر آليات دفع نقدية سهلة مقابل الفيديو المقدم عبر الإنترنت يُسهم في خفض معدل عمليات القرصنة في آسيا، فضلا عن أن فرض مزيد من القيود التشريعية على ممارسات الشركات المتعلقة بإنتاج المحتوى الإبداعي يثبط الإبداع؛ لذا تطرح الورقة مجموعة من المقترحات التي تمكن من تأسيس نظام حوكمي ذكي مثل:
1- الحرص على ضمان حماية المستهلك ومعرفة متطلباته بالمحتوى الإبداعي المُقدَّم.
2- إتاحة وسائل لتلقي شكاوى المواطنين فيما يتعلق بالمحتوى الإبداعي وطرق بيعه أو تسويقه.
3- خلق بيئة عمل تنافسية عالمية لتحفيز الإنتاج الإبداعي بالتعاون بين القطاع الحكومي والخاص.
4- وضع معايير أخلاقية للمحتوى المقدم بحيث لا يتضمن خطابات كراهية أو محتويات إباحية للأطفال.
5- خلق آلية تعاون إقليمية لمواجهة تحديات الثورة الصناعية الرابعة، والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة بالاقتصاد الإبداعي المدموج بآليات الذكاء الاصطناعي، كالتعاون الموجود بمنظمة دول جنوب شرق آسيا ASEAN.
aXA6IDE4LjIyNS45NS4yMjkg جزيرة ام اند امز