دراسة: تأثيرات طويلة المدى لأدوية الضغط والاكتئاب على بكتيريا الأمعاء

كشفت دراسة علمية حديثة أن العديد من الأدوية التي يتناولها عشرات الملايين من الأمريكيين يمكن أن تترك تأثيرات مستمرة في الجسم تمتد لسنوات بعد التوقف عن استخدامها، ما يزيد احتمالية الإصابة بأنواع من السرطان.
وأوضحت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة تارتو في إستونيا، أن أدوية حاصرات بيتا المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب تُحدث تغيرات ملحوظة في بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم)، يمكن ملاحظتها حتى بعد مرور سنوات على التوقف عن تناولها.
كما سجّل الباحثون التأثير ذاته مع الأدوية المهدئة للقلق من فئة البنزوديازيبينات مثل "زاناكس" و"فاليوم"، بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب ومثبطات مضخة البروتون المخصصة لعلاج الحموضة وارتجاع المريء.
الميكروبيوم ودوره الحيوي في الجسم
الميكروبيوم هو مجموعة البكتيريا النافعة التي تعيش في الجسم، ويُعدّ توازنه أساسيًا للحفاظ على المناعة، والهضم، وتنظيم عمليات الأيض. إلا أن هذا التوازن يتأثر بالنظام الغذائي، ونمط الحياة، والأدوية المستخدمة.
وأكدت الدراسة أن الأدوية الموصوفة على نطاق واسع — من المضادات الحيوية إلى مضادات الاكتئاب — تُقلل تنوع بكتيريا الأمعاء أحيانًا بشكل دائم، ما يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي والتهاب مزمن، وهي حالة تُعرف بـ"خلل التوازن الميكروبي" (Dysbiosis). هذه الحالة تمهّد لتطور سرطان القولون والمستقيم، عبر خلق بيئة معوية تهيمن عليها بكتيريا تُحفّز نمو الأورام من خلال تنشيط تكوين الأوعية الدموية، وانقسام الخلايا غير المنضبط، ومنع موت الخلايا الطبيعي.
تحليل شامل للعينات وتأثيرات مستمرة
شملت الدراسة 2509 بالغين، جرى تحليل عينات برازهم باستخدام تقنيات جينية متقدمة. وبعد أربع سنوات، أعاد الباحثون فحص 328 مشاركًا ومراجعة سجلات أدويتهم لمتابعة التغيرات التي طرأت على الميكروبيوم.
وأظهرت النتائج أن 90% من أصل 186 نوعًا دوائيًا أثّر سلبًا على الميكروبيوم، واستمر أثرها لأكثر من ثلاث سنوات بعد التوقف عن تناولها. وكانت المضادات الحيوية الأكثر ضررًا، إذ استمر تأثير أدوية مثل "أزيثرومايسين" و"بنسلين" لسنوات دون استعادة التنوع البكتيري الطبيعي.
كما تبيّن أن البنزوديازيبينات وحاصرات بيتا من أكثر الأدوية غير المضادة للميكروبات تأثيرًا على تنوع بكتيريا الأمعاء، في حين أحدثت مثبطات مضخة البروتون تغييرات التهابية تُهيّئ بيئة محفزة لنمو الخلايا السرطانية.
أضرار تراكمية وتراجع في الحماية الطبيعية
أكدت الدراسة أن تأثير هذه الأدوية لا يزول بالتوقف عنها، بل يتفاقم مع تكرار استخدامها. فحين يصبح الميكروبيوم غير متوازن، تزداد نفاذية الأمعاء، مما يسمح بمرور السموم إلى مجرى الدم وتحفيز الالتهابات المزمنة. كما يتراجع إنتاج الجزيئات الوقائية مثل البيوتيرات، وهو ما يزيد احتمال تلف الحمض النووي ونشوء الأورام.
وتوصل الباحثون إلى أن الخلل الميكروبي مسؤول عن ما بين 23% و40% من حالات سرطان القولون، مشيرين إلى أن بعض أنواع البكتيريا المكتشفة حديثًا قد تُحفّز نمو الخلايا السرطانية بشكل مباشر من خلال إحداث تغييرات في خلايا القولون المسؤولة عن الحفاظ على تماسك الأنسجة.
تصريحات الباحثين ونشر النتائج
قال الدكتور أوليفر آسمِتس، من معهد الجينوم في جامعة تارتو وقائد فريق البحث: "معظم الدراسات السابقة ركّزت على الأدوية التي يتناولها المريض حاليًا، لكن نتائجنا تُثبت أن الأدوية السابقة قد تكون بنفس الأهمية، لأنها تؤثر بشكل ملحوظ في تركيبة الميكروبيوم على المدى الطويل".
وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة mSystems العلمية، مشيرةً إلى أن هذه التأثيرات تطال عشرات الملايين من الأمريكيين. ففي الولايات المتحدة وحدها، يُكتب سنويًا نحو 270 مليون وصفة طبية للمضادات الحيوية، فيما يستخدم 30 مليون شخص أدوية البنزوديازيبينات، و30 مليونًا حاصرات بيتا، و30 مليونًا آخرين مضادات الاكتئاب من فئة SSRIs.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز