يحسب لمصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي نجاح سياستها وتحركاتها الدبلوماسية التي ردعت أردوغان بحكمة.
صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديث صحفي له الأسبوع الماضي عن إمكانية إجراء محادثات استخباراتية مع مصر، وذلك في إطار تعليقه على أزمة بلاده مع اليونان بشأن التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط، حيث قال أردوغان: "إجراء محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف وممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا". وقد أكدت مصر تلقيها دعوات تركية لفتح قنوات اتصال معها على المستويين السري والعلني بغرض تحسين العلاقات، ولكنها أبدت تحفظاً وقالت في بيان على لسان وزير خارجيتها سامح شكري إنّ "نهج" تركيا يفتقر إلى "المصداقية" و"الأفعال"، وشدّدت على أن خطواتها في هذا السياق لا تأتي بشكل منفرد، بل بالتنسيق مع دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب.
العلاقات السياسية بين الدول لا تعرف ثابتاً، كما أن تحولاتها لا يمكن أن تنشأ من فراغ، بل إن الوقائع التي قد تستحق وصفها بالمفاجئة لا تظهر دون مقدمات، ولذلك فإن الحديث عن أن العلاقة ما بين مصر وتركيا بصدد الانتقال الآن من مرحلة الخلاف إلى التفاهم غير واقعي إطلاقاً، وذلك لعدة أسباب جوهرية أهمها: القاهرة وأنقرة هما طرفا خصومة أو حتى تنافس في المنطقة، فمصر منخرطة في التحالف الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب الذي يضمها مع السعودية، والإمارات، والبحرين في نسق سياسي مغاير تماماً لسياسة تركيا في المنطقة والتي لم يتغير منها شيء، فهي لا تزال تهدد الأمن القومي لمصر من خلال دعمها لحكومة السراج والميليشيات في ليبيا وتحركاتها الاستفزازية للتنقيب في البحر المتوسط. وأيضاً من غير المعقول أن تتفاعل القاهرة مع دعوات أنقرة والخطاب السياسي التركي مشغول قولاً وفعلاً بتعضيد جماعات الإسلام السياسي، وأبرزها الإخوان المسلمين التي تستضيف أنقرة قيادات كثيرة منهم وتوفر لهم الدعم المالي، بل وتمنحهم وسائل إعلامية يسلطون من خلالها أنشطتهم على مجابهة للإضرار بمصر، ولن يكون من السهل بطبيعة الحال على تركيا التخلي عن تلك الأدوات المهمة لخدمة أطماعها التوسعية ضمن ملفات أخرى ضد القاهرة، وعواصم عربية أخرى.
هذا التودد من النظام التركي لمصر وإبداء رغبته في فتح حوار معها ليس إلا مراوغة جديدة من أردوغان هدفها شق صف الجبهة الموحدة ضده في شرق المتوسط وليبيا، بعد أن وجد نفسه عارياً سياسياً، ووحيداً بلا حلفاء خاصة عقب خروج قمة "كورسيكا" بموقف أوروبي متضامن مع اليونان لمواجهة عربدته في المتوسط، وأيضاً مع وجود خلافات حادة داخل حكومة الوفاق في طرابلس.
يحسب لمصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي نجاح سياستها وتحركاتها الدبلوماسية التي ردعت أردوغان بحكمة، فقد قرأت مبكراً تحركات تركيا في المنطقة، ولم تختر المواجهة منفردة، بل كرست موقفها المناهض لتوجهات تركيا بحزمة تكتلات دولية وضعت أنقرة في مواجهة مباشرة مع المصالح الاقتصادية لتلك الدول، وزادت التضييق على تحركاتها. ولعل تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة دولية مقرها القاهرة هو رد عملي على مراوغة أردوغان بشأن التقارب مع مصر.
مصر لن ترفض التقارب مع تركيا متى ما أصبحت دولة طبيعية وتراجع أردوغان عن أطماعه التوسعية في العالم العربي وشرق المتوسط وذلك ما أكده وزير الخارجية المصري سامح شكري حينما قال: "نحن نؤمن ونرصد الأفعال وليس الأقوال، وإذا لم يحدث ذلك فلا أهمية لأي تصريحات"، ولكن من المستحيل أن تلدغ مصر من جحر أردوغان وحلفائه مرتين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة