زيت على نار الخلافات الإخوانية.. ماذا وراء رسائل بديع والشاطر الغامضة؟
صراعاتٌ مستمرةٌ وتراشقٌ بالألفاظِ واتهاماتٌ بالجملةِ وأزماتٌ لا تنتهي، هذا حال تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية الآن.
فالجماعة التي مارست استعلاء دينيا على عموم الناس، والتي أوهمت أتباعها أنها تمتلك تنظيما قويا، أثبتت الأحداث أن قياداتها مجرد مجموعة هدفهم الحصول على الأموال والاستحواذ على السلطة، ولو كان على حساب شعوبهم وأمن أوطانهم واستقرارهم.
رسائل غامضة
أحدث مسلسل في الخلافات الداخلية التي تعصف بالجماعة ظهر للسطح قبل أيام، عندما انتشر على صفحات تابعة لجبهة "إبراهيم منير" أن ثمة رسائل خرجت من السجون المصرية تحمل توقيع المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، الرجل القوي في الجماعة وصاحب خزنتها المالية، وتضمنت الرسائل مطالبة القيادات المسجونة في مصر لـ"محمود حسين" أمين الجماعة الأسبق وزعيم ما يسمى "جبهة إسطنبول" بوقف نزيف الانشقاق، وأن يتحد مع جبهة غريمه منير أو ما يسمى "جبهة لندن".
وبحسب تلك الصفحات فإن أمين الجماعة السابق يتكتم وصول تلك الرسائل ويخفيها، ولا يعلن عنها إلا لمجموعة من المقربين جدا منه.
وقد نشر موقع إخواني شهير أن مجلس الشورى العام انتخب، قبل أيام، هيئة إدارية عليا جديدة لإدارة شؤون الجماعة لدورة انتخابية جديدة، وذلك في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
وذكر الموقع أنه من أبرز الشخصيات التي تم انتخابها في الدورة الجديدة المهندس محمد البحيري، والدكتور محي الدين الزايط، ومسؤول القسم السياسي بالجماعة الدكتور حلمي الجزار، والمتحدث الإعلامي صهيب عبدالمقصود وآخرون.
وأشار إلى أن أعضاء مجلس الشورى العام، في اجتماعهم قبل الأخير، أقروا ضرورة تعديل وتطوير وثيقة الهيئة الإدارية العليا، ثم إجراء انتخابات على مستوى الهيئة بعد الانتهاء من التعديلات المطلوبة، وبالفعل تم انتخاب هيئة جديدة من بين أعضاء مجلس الشورى العام.
وبحسب الموقع ذاته فإنه سيتم الإعلان قريبا عن تسمية القائم بأعمال المرشد العام، عقب انتهاء الإجراءات الإدارية المتعلقة بهذا الخصوص.
وكشفت صفحات الإخوان أن الجماعة تلقت رسالة من نائبي المرشد العام، خيرت الشاطر ومحمود عزت، القابعين في السجون، يعلنان فيها تأييدهما للاتجاه الذي يمثله "الزايط" و"الجزار" ورفاقهما، ويشيران إلى التفاف الجماعة خلف قياداتها في الداخل والخارج حول هذا المسار الذي وصفوه بـ"الشرعي".
صراع مستمر
الكاتب والباحث في الإسلام السياسي منير أديب اعتبر أن صراع الإخوان على القيادة لن يتوقف في المحطة الحالية، وأنهم في سبيلهم لمزيد من الانقسام والتشظي.
وقال أديب لـ"العين الإخبارية" إن "ما نشر على صفحات الإخوان وعلى مواقعهم الإخبارية فيما يخص قيام جبهة لندن باستكمال هيئتها خبر يحتمل صحته، وقد تواترت أخبار أنهم بالفعل اجتمعوا في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي وأجروا انتخاباتهم".
وأضاف أنه فيما يخص خروج رسائل من السجن فلا يمكن الجزم بصحته، وفي الوقت نفسه لا يمكن الحكم بكذبه، مشيرا إلى أن تلك الأخبار تم نشرها في مواقع وصفحات تابعة لـ"جبهة لندن"، ومن المحتمل أنها ضمن حملة حرب نفسية وتحطيم أعصاب يمارسونها ضد خصومهم.
وأشار إلى أن تلك الأخبار قد تكون صحيحة، وقال "ليس من المستبعد أن تتدخل السجون بما تحمله من ثقل تنظيمي لإنهاء حالة الانقسام الحادة الجارية الآن، والتي تحتاج الجماعة إلى تدخلهم".
أديب اعتبر أن الأزمة أكبر من أن تحل برسالة إلى أي طرف، وقال إن "الوضع متفاقم للغاية والمشاكل تنفجر في كل جبهة، والصراع دائر بين أجيال الجماعة، وليس من المستبعد أن تشهد الجماعة مزيدا من الخلافات، وخروج أسرار جديدة تُحمّل أطراف عدة مسؤولية تفكك التنظيم بهذه الصورة غير المسبوقة".
وقال إنه "رغم ادعاء كل طرف أنه استكمل مجالسه الشورية وهيئاته الإدارية، إلا أنه من المؤكد تهدم البنى التنظيمية للجماعة من الداخل، فالخلافات فضحت هشاشة الإخوان تنظيميا وفكريا وأخلاقيا، وأن ما كان يحميهم من التفكك في العقود الماضية سوى القشرة الخارجية التي تكون بفعل الدعاية المزيفة عن قوة التنظيم ومتانته، وأنهم إلى مزيد من التشظي التنظيمي".
وحول أسباب تأخر جبهة لندن عن إعلان اسم القائم بأعمال المرشد خلفا لإبراهيم منير، الذي توفي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال أديب إن "ثمة خلافات داخل مجموعة لندن لم تحسم إلى وقت قريب، والآن وبعد استكمالهم هيئاتهم الإدارية ومؤسساتهم الشورية فمن المحتمل أن يتم تسمية القائم بالأعمال قريبا"، معتبرا أنه أيا كان الشخص الجديد فإن هذا لن يحل أزمة الإخوان، بل سيزيد من حدة الصراع فيما بينهم".
انقسام بلا نهاية
من جانبه، اعتبر طارق البشبيشي، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أنه لا جدوى من تلك الرسائل، مشيرا إلى انقسام جماعة الإخوان حاليًا إلى جماعتين متوازيتين بشكل غير مسبوق ولن يجتمعا أبدا.
وأكد البشبيشي لـ"العين الإخبارية" أن أحوال تنظيم الإخوان في الداخل أو الخارج تشير إلى أن الجماعة ستتفكك.
وقال إن "الانشقاق هذه المرة جعل الجماعة تنظيمين، كلاهما قوي ويمتلك كل منهما روافده المالية، وقياداته التاريخية ومؤيديه وأتباعه ومنابره الإعلامية، وبالتالي لن يسقط أي منها بسهولة، وعلى وجه الخصوص أن لكل منهما أتباعه من الإخوان ومن المكاتب الإدارية في مصر".
وأضاف أن "هذه الحالة وما صاحبها من اتهامات متبادلة لا يمكن أن تنتهي بأن يعتذر أحدهما للآخر، بسبب رسالة من المرشد أو غيره، فحجم الخلاف لا يسمح أبدا بعودة أي منهما للآخر، وهذه معضلة يعلمها الإخوان جيدا، لهذا فكل فريق سيتشبث أكثر بالبقاء متحدثا باسم الجماعة والتنظيم، على أمل أن ترضى عنه قوة إقليمية أو دولية، وتفرضه قائدا على الجماعة ليسهل لها السيطرة على مسار عمل جماعات الإسلام السياسي في المرحلة القادمة".
وتوقع البشبيشي أن محمود حسين لن يعترف بهذه الرسالة ولا بغيرها، وسيشكك فيها هو وأتباعه وسيزعمون أن المرشد أو نائبيه لو أراد أي منهم أن يتدخل فعلا لحل الأزمة فعليهم إعلان موقفه وانحيازه لفريق، ويعلن هذا للجميع، وفصل الطرف المتسبب في الانشقاق.
وحول تسمية القائم بالأعمال من قبل مجموعة لندن، يرى البشبيشي أن أقرب المرشحين هم محمد البحيري وصلاح عبدالحق، مع مخاوف من سيطرة التنظيم الدولي على تنظيم مصر المحلي.ِ
خلافات تعصف بالجماعة
أما هشام النجار، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، فأكد أن الانقسام داخل الإخوان مستمر حتى إشعارِ آخر.
وقال النجار لـ"العين الإخبارية" إن "استقواء جبهة منير بقيادات السجون (إذا حدث أصلا) في مصر نابع من شعورهم بقلة الحيلة إزاء غطرسة محمود حسين وإعلانه أنه هو القائم بالأعمال، وعدم قدرتهم على حسم الصراع، أو حتى على الأقل مجاراة خطوات جبهة إسطنبول التي استغلت وفاة إبراهيم منير وعدم قدرة جبهة لندن على طرح بديل له، لتحرز العديد من النقاط والمكاسب على حساب جبهة لندن".
وأضاف النجار "يظل دعم القيادات في مصر لجبهة لندن محل نظر في مدى مقدرته على صنع الفارق من عدمه، خاصة أن هناك محاولة سابقة في نفس السياق ولم ينتج عنها تغيير معتبر في المعادلة، ولم يعترف بها قادة جبهة إسطنبول، ومن المرجح أنهم سينكرون أيضا المحاولة الأخيرة، حيث إنهم ليسوا على استعداد أن يتنازلوا عما أحرزوه من مكاسب بسهولة".
وحول تأخر خطوة إعلان القائم بالأعمال من قبل جبهة لندن، اعتبر النجار أن تلك الخطوة المتأخرة تؤكد أن جبهة لندن غير جديرة بقيادة الجماعة على الأقل في نظر أتباع محمود حسين، وهو ما سمح لخصومهم بإشاعة أن ثمة خلافات فيما بينهم، غير أنه ليس من المستبعد تسمية القائم بأعمال المرشد في غضون الأسابيع المقبلة.